كان الخليفة الأموى الخامس عبدالملك بن مروان معروفاً عنه حبه وشغفه بمجالسة الناس، خاصة الشعراء والعلماء وكبار قادة الجيوش، وكان مجلسه مجلس علم وعلماء.
تسلم الخليفة عبدالملك بن مروان الحكم من أبيه مروان بن الحكم عام 65 هجرياً، الموافق 684م، وحكم دولة الخلافة الإسلامية لـ21 عاماً. كان الرجل يحب لعب الشطرنج مع أبرع اللاعبين فى فترات الاستراحة، التى تكون فى أوقات مجلسه المفتوح للكبار والصغار، النخبة والرعية.
وذات يوم وبينما هو فى حالة تركيز شديد فى مباراة شطرنج مع أحد جلسائه المقربين دخل عليه فجأة رجل مجهول لديه، قدم نفسه على أنه أحد رعيته من الشام وسمى نفسه بأنه أحد عباد الله. توقف الخليفة عن لعب الشطرنج وقام بوضع غطاء من الحرير على قطع الشطرنج، وهمس فى أذن جليسه دعنا نغطى هذه القطع الخشبية حتى لا يظن الرجل أن خليفة المسلمين سينصرف عن شئون الخلافة باللعب.
وعلى الفور بادر الخليفة زائره المجهول وسأله: «أهلاً بالضيف الكريم، هل يمكن أن أتعرف عليك؟ رد الرجل فى بساطة: أنا مجرد عبد من عباد الله.
عاد الخليفة يسأله: وما هى مهنتك يا أخى؟
رد الرجل: مهنة بسيطة أتكسب منها قوت يومى.
عاد الخليفة يسأله: وماذا درست يا أخى؟
بنفس الأسلوب السابق قال الرجل: ما يكفى أن أقرأ القرآن.
قال الخليفة: وهل حفظت شيئاً من القرآن؟
قال الرجل: فقط سورة «الفتح».
وبإصرار عاد الخليفة يسأل: وهل تعرف أياً من الأحاديث النبوية؟
رد الضيف المجهول: فقط حديث «الدين المعاملة».
تعجب الخليفة من شخصية هذا الضيف فسأله: هل تعرف شيئاً عن علوم النحو أو الصرف؟
رد الرجل: أبداً يا مولاى.
نظر الخليفة إلى الرجل نظرة متفحصة واستدار نحو جليسه ورفع الغطاء الحريرى من فوق قطع الشطرنج وقال لمن كان يشاركه اللعبة: «دعنا نكمل المباراة، فالذى لا يعرف شيئاً من القرآن والسنة هو شخص لا قيمة له ولا يستحق الالتفات إليه حتى لو ملك الأرض وما عليها».
القصة تتحدث عن نفسها ولا تحتاج لتعليق.
لذلك علينا أن نستغل فترة هذا الحجر المنزلى، ولنصادق كتاب الله ولا نهجره ونهجر معانيه السامية.
وتذكروا قول سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: «ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده».
وإذا كانت المساجد مغلقة، مؤقتاً الآن، فإن رفقة كتاب الله بالقراءة والفهم والتدبر هى عمل يحتاجه كل هذا لاجتياز هذا الزمن الصعب والخطر بسلام وصفاء للنفس.
رمضان شهر القرآن، فقد أنزله الله تعالى على رسوله الكريم فى العشر الأواخر منه.
a