بقلم - عريب الرنتاوي
أتيح لي أن أقضي قرابة الساعات الأربع في حوار مع "اللجنة الشعبية" في مخيم البقعة، حيث أخذنا الحديث في مسارب شتى، وعكست آراء الحضور، مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، ولمست فيهم، لهفة فوّارة، لاستنقاذ الحالة الفلسطينية من مستنقعات العجز والفشل والانقسام، التي تقض مضاجع الفلسطينيين ونخبهم الوطنية.
ولأنهم من أبناء الشتات، فقد كان طبيعياً، أن ينصب اهتمامهم إلى "انتخابات المجلس الوطني" لمنظمة التحرير، علماً بأن اهتمامهم بالانتخابات التشريعية والرئاسية، كان واضحاً كذلك، ومن منطلق أن "مركز الحركة الوطنية" هناك، واستناداً لقناعة عميقة بـ"وحدة الشعب والقضية والتمثيل والأداة".
وإذ بدا أن الأخوة على أتم الإدراك بالمصاعب التي تعترض إجراء انتخابات للمجلس في دول عربية عدة، من بينها الأردن، لأسباب تخص كل بلد على حدة، فقد تساءلوا: لماذا لا يشارك الفلسطينيون الذين لا يحملون أرقاماً وطنية أردنية في انتخابات المجلس الوطني، ترشيحاً وتصويتاً؟ ...هؤلاء ليس لهم حقوقاً سياسية في الأردن، ولم يسبق لأجيال منهم أن شاركت في أي انتخابات، أردنية أو فلسطينية...سؤال أظنه مشروعاً وسبق أن تناولته ذات مقال، قبل عدة سنوات، من دون أن يثير اهتمام أحد.
المتحدثون، وهم من المتابعين بدقة لمجريات الحالة الفلسطينية، تحدثوا عن "إساءة اختيار" أعضاء المجلس الوطني في مرات سابقة، وتحدثنا وتحدثوا عن "زبائنية" و"محسوبية" في التعيينات، وتغليب الولاءات الفصائلية على الولاء الوطني، وتقديم الولاءات الشخصية على الولاءات الفصائلية...الدائرة تضيق في وجه فعاليات فلسطينية ترغب في المشاركة، ولكن ما العمل، عندما تنعدم المعايير أو "دفتر الشروط" على حد تعبير أحدهم؟
وفيما الفصائل تجتمع في القاهرة اليوم، ولا أحسب أنها ستجد متسعاً لبحث تفصيلي في "انتخابات المجلس الوطني"، أو بالأحرى، إعادة تشكيل المجلس الوطني، يبدو من الضروري تذكير قادتها جميعاً، بضرورة اعتماد معايير توافقية، لاختيار أعضاء المجلس الوطني، على أن تكون شفافة ومعلنة، وخاضعة للمساءلة والطعن لدى هيئات قضائية تنشأ لهذا الغرض.
من هذه المعايير التي أتى الأخوة على ذكرها، أن يكون الأعضاء الجدد، مشهود لهم بدورهم في الحفاظ على الهوية وحق العودة ومحاربة التطبيع، وأن يكون لهم إسهام نشط في العمل السياسي والاجتماعي الوطني الفلسطيني في مجتمعاتهم، وأن يتوفروا على حيثية تمثيلية، كأن يكونوا منتخبين في نقابات أو جمعيات أو مؤسسات أو لجان شعبية، وأن يكون لهم إسهامهم في الذود عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وكل بطرقه وأدواته، ووفقاً لمجالات اختصاصه وعمله.
في ظني أن تطوير "دفتر شروط" لعضوية المجلس القادم، تبدو فكرة جديرة بالاهتمام...ويتعين أن يجري الإعلان عن أسماء الأعضاء ولماذا تم اختيارهم وما هي حيثيات هذا الاختيار، وأن يفتح الباب للطعون، سيما وأن عضوية المجلس القادم، ستتقلص إلى النصف، وهو أمر رحب به الحاضرون، بشرط أن يفضي إلى "تفعيل" عمل المجلس، بدل إبقائه "شاهد زور" على قرارات القيادة وتوجهاتها.
ومن بين القضايا التي أثيرت، توزيع الأعضاء الـ"200" الذين يمثلون الخارج على مختلف دول المهاجر والشتات الفلسطيني، وفقاً لمعايير محددة، أهمها الكثافة السكانية، مع مراعاة بعض الاحتياجات الطارئة لبعض التجمعات (فلسطينيو سوريا ولبنان على سبيل المثال)، إذ يمكن خصبها بعدد أكبر من المقاعد بالنظر للتحديات التي يجبهونها، كما أن بعض الجاليات التي تضطلع بأدوار مهمة في بعض الدول المهمة، يمكن "تمييزها إيجابياً" لضمان زيادة دورها وتفعيل حضورها...أفكار مهمة، تأتي من قلب مخيم البقعة، على أن أمل تجد طريقها إلى رام الله وغزة، واليوم إلى القاهرة.