بقلم - عريب الرنتاوي
زخم الحراك الديبلوماسي لإنقاذ اتفاق إيران النووي، كان موضع ترحيب من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل...أما وزير خارجيتها هايكو ماس، فنسب لأورربا الفضل في الإبقاء على هذا الاتفاق، مع أنها زمن ترامب، جَبُنت عن الوفاء بالتزاماتها، كطرف متعاقد من ضمن مجموعة (5+1)...أياً يكن من أمر، تبدو وجهة تحرك واشنطن والمجتمع الدولي، واضحة تماماً لجهة العودة للاتفاق، وفتح بقية الملفات العالقة مع طهران، لمزيد من التفاوض اللاحق.
لن يكون العرب على مائدة المفاوضات هذه المرة كذلك...لقد سقط اقتراح إيمانويل ماكرون بضم السعودية وإسرائيل إلى مجموعة (5+1)، في مهده...وإدارة ترامب تعهدت التشاور مع حلفائها في العالم والمنطقة حول خطواتها التالية، ولم تعد بإشراكهم في المفاوضات أو تجليسهم على مائدتها...هذا الأمر، بات مألوفاً، وكم من القضايا العربية المتفجرة، لا مطرح فيها لمقعد واحد، لدولة عربية واحدة.
هنا نفتح قوسين لنطرح سؤالاً: لماذا لا يبادر العرب إلى امتلاك زمام قضاياهم بأنفسهم، ولماذا الإصرار على كل هذه التبعية والاستتباع، وكل هذا "التلطي" بعواصم إقليمية ودولية؟...ما الذي يضير دولنا "الوازنة"، إن كانت لدينا دولاً وازنة، أن تشرع في حوار مع إيران لرسم خرائط الاتفاق معها والافتراق عنها؟...ولماذا سيتعين علينا الذهاب إلى حوار مع إيران، متأخرين، بعد أن تيقنت طهران، أو أوشكت، بأنها عائدة للمجتمع الدولي ونظامه المصرفي وسوقه العالمية؟...ألم يكن بمقدور العرب تحصيل الكثير من "الحقوق/التنازلات" من طهران، لو أنهم لم ينساقوا وراء صيحات ترامب-نتنياهو العدائية لإيران، ومحاولاتهم تجييش المنطقة، ضد دول جارة، بقرار غير قابل للنقض، من التاريخ والجغرافيا؟، حتى وإن كانت دولة تدخلية، وتلعب دوراً في "زعزعة أمن المنطقة واستقرارها"؟ ... ما كنا بحاجة لحوار مع إيران، ومفاوضات معها، لو أنها "دولة طبيعية" تكتفي بدورها داخل حدودها ... المفاوضات مطلوبة غالباً، مع "الأعداء" و"الخصوم".
ليس الوقت متأخراً على أية حال، مع أنه كان بمقدور الدول العربية ذات الصلة، أن تتحصل على "صفقة" أفضل مع إيران، عندما كانت تحت "أقصى العقوبات"، اليوم يبدو الحصول على صفقة بشروط مواتية أكثر صعوبة، وهي تقترب من لحظة الفرج والانفراج...لكن من أسف، لا يبدو أن من استنكف عن انتزاع زمام القرار والمبادرة، من قبل، سيعمد على انتزاعهما اليوم، ولا أظن أن الأفق المرئي، محمّل بمبادرات من هذا النوع.
ستخرج إيران أكثر قوة، وأكثر ثقة بعد جولات التفاوض الصعبة والشاقة التي ستنخرط بها، إن في إطار برنامجها النووي، أو عند البحث في بعض الملفات الإقليمية...ليس صدفة أن مارتن غريفت الذي تمنع زيارة طهران، يبادر إلى زياتها مؤخراً، وبعد أن استقر بايدن في بيته الأبيض، وفيما جحافل الحوثيين تقترب من "سدّ مأرب"، وطائراتهم المسيّرة تضرب خارج حدود اليمن وخرائطه...لا حل سياسياً للازمة اليمنية، كما الأزمات السورية والعراقية واللبنانية، من دون طهران...حقيقة يتعين الاعتراف، أحببنا إيران أم كرهناها، ودعونا لا نذهب بعيداً في البحث عن أسباب نجاح إيران في التغلغل في الأعماق العربية، فالعرب بنظامهم الإقليمي ومنظوماتهم الفرعية ودولهم، أخفقوا في أن يكونوا "مقررين" في أي من أزمات المنطقة العربية.
دعونا لا ننتظر ما الذي ستفعله إدارة بايدن مع إيران، وأن نشق طريقاً لمفاوضات صعبة وشاقة معها، وأن نرتب أوراقنا مجتمعين، وأن نستطلع مع طهران، وتركيا إلى جانبها، فرصة الشروع في تأسيس منظومة إقليمية للأمن والتعاون، ويكفينا أن الجارتين الإقليميتين، باتتا أكثر حضوراً منا، في معظم أزماتنا، إن لم نقل جميعها.