بقلم - عريب الرنتاوي
اهتدت الحركات الاحتجاجية الجامعة التي شهدتها "ساحة رابين" في تل أبيب و"شارع بلفور" في القدس، حيث مقر رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى شعار مركزي ناظم، قادر على الجمع بين مطالب المحتجين الفلسطينيين واليهود سواء بسواء: "لا للاستبداد...لا للعنصرية"...الفلسطينيون داخل "الخط الأخضر"، هم المستهدفون بالظاهرتين معاً، أما المحتجون اليهود، فهم القلقون على مستقبل "الديمقراطية" المتخوفون من نزعات الاستبداد التي نتكشف عنها مواقف "ملك إسرائيل" وسلوكياته.
هو درس "محلي النشأة"، بيد أنه قابل للتعميم إلى حد كبير...ثمة تحالف مضمر، يأخذ أحياناً أشكالاً علنية، بين "الاستبداد العربي" من جهة و"العنصرية الإسرائيلية" من جهة ثانية...قبل أشهر كان "الجنرال" عبد الفتاح البرهان، يلتقي نتنياهو في عنتيبي الأوغندية...أمس أعلن هاني بن بريك، الرجل الثاني في المجلس الانتقالي اليمني (الجنوبي)، السلفي نشأة وخبرة وتجربة، عن رغبته بزيارة إسرائيل وإقامة علاقات وثيقة معها، وزيارة العائلات اليهودية اليمنية، من دون أن يتجاهل – كأي تطبيعي ورع – رغبته في زيارة الأقصى والصلاة في رحابه...بين الواقعتين كانت الأنباء تتحدث عن اتصالات تجريها عناصر وشخصيات، محسوبة على الجنرال خليفة حفتر، مع جهات إسرائيلية أملاً في الحصول على دعمها وتأييدها في الصراع المحتدم في ليبيا وعليها.
لا بأس، فقد علمنا "التاريخ السرّي" للاتصالات والعلاقات العربية – الإسرائيلية، أن جماعات انفصالية وميليشيات دموية، إلى جانب أنظمة الفساد والاستبداد، الفاقدة للشرعية، التي تطاولت في انتهاكاتها لحقوق إنسانها أو في الافتئات على جيرانها، لطالما توسلت "خطب ود" إسرائيل، بحثاً عن داعم ونصير، أو سعياً وراء "شبكة أمان" تنجيها من المحاسبة والملاحقة...في مقال سابق في هذه الزاوية، كتبنا تحت عنوان "كن مع إسرائيل ولا تبالي"، لا تبالي الحساب والعقاب، فذنبك مغفور دائماً، ولولا الرغبة العميقة في أن يرى هذا المقال النور، لسردنا قائمة لا تنتهي من الأمثلة والبراهين الدالة على هذا الشيء.
ثمة علاقة "سببية" بين العنصرية التي يكتوي بنارها شعب فلسطين منذ سنوات وعقود، وميل إسرائيل الجارف لدعم هذه الحركات والأنظمة الفاسدة والمستبدة، وغير الشرعية...من هنا تصبح مقاومة الشعب الفلسطيني، ومعه تقدميون وليبراليون يهود، للعنصرية الإسرائيلية هي الوجه الآخر لمقاومة الشعوب العربية للاستبداد والفساد...المسألة لا تقتصر على احتجاجات "ساحة رابين" و"شارع بلفور"...المسألة أوسع من ذلك بكثير، وربما تشمل مختلف الساحات والميادين العربية.
وسنمضي أبعد من ذلك للقول: إن نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والعنصرية، يتماهى إلى أبعد حد، مع "يقظة" شعوب العالم، وبالذات في الولايات المتحدة والغرب، على تهديد "الشعبوية" و"العنصرية"...إسرائيل بزعامة يمينها المتطرف، قدمت "نموذجاً ملهماً" لكل هذه الحركات السوداء، وقد آن الأوان لكي يقدم الشعب الفلسطيني ومعه حركات الاحتجاج اليهودية، فضلاً عن بقية الشعوب العربية، "الأنموذج" للكفاح المشترك ضد الاستبداد والعنصرية...المعركة واحدة، بيد أن ساحاتها متعددة ومتشعبة.
بهذا المعنى، تكتسب المعركة ضد "التطبيع" بين العرب وإسرائيل، أهمية خاصة، و"راهنية" ملحة، فهي معركة شعوبنا العربية من أجل كرامتها وحريتها ومستقبلها، وليست فقط معركة الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وتفكيك العنصرية، وهي معركة الإنسانية جمعاء، ضد "اليمين الشعبوي المتطرف" الذي يراوح خطابه الفكري والسياسي، فضلاً عن سلوكه العملي، بين العنصرية والفاشية المثقلتين دوماً بالجنوح نحو الاستبداد والفردية.