الإخوان بين حدّي الأيديولوجيا والبراغماتية خلاصة واحدة وثلاث تجارب

"الإخوان" بين حدّي الأيديولوجيا والبراغماتية... خلاصة واحدة وثلاث تجارب

"الإخوان" بين حدّي الأيديولوجيا والبراغماتية... خلاصة واحدة وثلاث تجارب

 صوت الإمارات -

الإخوان بين حدّي الأيديولوجيا والبراغماتية خلاصة واحدة وثلاث تجارب

عريب الرنتاوي
بقلم - عريب الرنتاوي

تجادل هذه الأطروحة، خلافا للرأي السائد، بأن جماعة الإخوان المسلمين، المحكومة منذ نشأتها قبل أزيد من تسعين عاما، بأيديولوجيا دينية صارمة، وصاحبة الشعار الأشهر: "الإسلام هو الحل"، تُظهر في بعض المحطات المفصلية، ميلا جارفا للبراغماتية، وتغلب مصالحها الفئوية وامتيازاتها، على المبادئ التي يرتكز عليها خطابها السياسي والدعوي، علما بأن أحدا من قادتها ونشطائها، لم يفته يوما ترديد الآية الكريمة: "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ.."
 
التجربة الأولى
من البحرين، حيث أوعز عاهلها لحكومة بلاده، بالتوقيع على اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وشارك وزير خارجيتها في احتفال البيت الأبيض الرباعي، ممثلا لبلاده، في خطوة أثارت تحفظ وغضب جمعيات سياسية ومنظمات مجتمع مدني بحرينية، عبرت عن مواقفها بسلسلة من البيانات المنفردة والجماعية... "المنبر الإسلامي"، ذراع الجماعة الإخوانية البحرانية السياسي، و"جمعية الإصلاح"، ذراعها الدعوي، امتنعا عن التوقيع على البيان المشترك الذي ذُيّل بتواقيع مختلف الجمعيات السياسية، وبعضها "ليس بعيدا" عن الحكومة والقصر!
 
تحت ضغط الحراك الشعبي المناهض للتطبيع، أصدر "المنبر" و"الإصلاح" بعد عدة أيام، بيانا يعرض فيه موقفا عموميا فضفاضا من التطبيع ويطلب الإذن من القصر بالسماح للشعب البحريني بالتعبير عن مشاعره ومواقفه، ودائما تحت سقف "الولاء والبيعة"، وتحت مظلة الدستور والقانون، الأمر الذي حدا ببعض البحرينيين لاستحضار عبارة تقال في مثل هذه المناسبات: صمت دهرا ونطق كفرا.
 
حالة الاستقطاب في الإقليم، لم تزحزح إخوان اليمن، عن تحالفهم المنسوج بخيوط المصالح وحساباتها الدقيقة
 
مع أن المنبر" و"الإصلاح"، لم يترددا قبل هذه الواقعة بأسابيع قليلة، وفي مناسبتين اثنتين، من التوقيع على بيانات نارية ضد اتفاق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل (14 و17 أغسطس). وعندما عدت لتصفح مواقع الجمعيتين على شبكات التواصل الاجتماعي، وجدت "أرشيفا" المواقف المنددة بإسرائيل والتطبيع معها والتضامن مع الشعب الفلسطيني... يبدو أن الصباح أدرك "شهرزاد" في المنامة، فوقفت عن الكلام المباح.
 
أثار الأمر فضولي، برغم معرفتي بالعروة الوثقى بين إخوان البحرين ونظامها، وهي علاقة تبدو "نشازا" حين نستذكر أن البحرين جزء من ائتلاف عربي، بقيادة السعودية والإمارات ومصر، جعل من "مطاردة" إخوان المنطقة وإسلامها السياسي، هدفا أسمى له، وهو يخوض ضدها حروبا ومعارك على امتداد الإقليم، لم يدخر فيها سلاحا إلا واستخدمه.
 
ولدى استفساري من أصدقاء بحرينيين "ثقاة"، ومن مشارب مختلفة، عن "سر تميّز إخوان البحرين"، قيل لي إن الجماعة بحلفها مع النظام، أنشأت منظومة واسعة من المصالح والامتيازات، سياسيا وماديا، وأنها تتوفر على إمبراطورية مالية وشبكات من المؤسسات، التي تجعلها ليست بوارد المقامرة بها نظير موقف هنا أو بيان يصدر هناك... هنا ستطغى "البراغماتية" على سلوك الجماعة، من دون أن تأبه بحكاية "المعايير المزدوجة" كأن تكون "مقاتلا شرسا" ضد التطبيع إماراتيا على سبيل المثال، قبل أن تصبح "ناصحا ناعما ومستأنسا" حين يتعلق الأمر ببلادك، أو بالأحرى، مصالحك وامتيازاتك التي راكمتها عبر سنوات من التحالف مع السلطة... هنا بإمكانك أن تضع الأيديولوجيا جانبا، وإن لبعض الوقت، علّها تكون "موجة وبتعدي".
 
التجربة الثانية
التجربة ذاتها، سبق لإخوان اليمن (التجمع اليمني للإصلاح)، أن خاضوا غمارها، فبعد تحالف ملتبس مديد مع الراحل علي عبد الله صالح، وجدوا أنفسهم في صدام وحرب معلنة مع جماعة "أنصار الله" الحوثية، لا بأس بذلك، فثمة في السياسة والعقيدة، ما يبرر الصدام بين الفريقين... حسابات الصراع اليمني، ورغبة الإصلاح في الاحتفاظ بنفوذه المهيمن في بعض محافظات اليمن، بعد أن تعذر الاحتفاظ بها في أغلب محافظاته الشمالية، دفع "التجمع" لنسج أواصر حلف متين مع "التحالف العربي"، الذي يضم الأطراف الداعمة لحكومة البحرين ذاتها: السعودية والإمارات.
 
ضرب "الإصلاح" صفحا سريعا، عن دور هذا التحالف في الإطاحة بأول حكم للجماعة الأم في مصر، وإلقاء قادتها في السجون والمنافي، وبدعم نشط وسخي، من مختلف أطرافه، بل ولم يلتفت "الإصلاح" إلى الحرب الشعواء التي تخوضها أضلاع هذا المثلث ضد الجماعات الشقيقة في دول عدة... الحاجة للسلاح والمال، والشهوة المفتوحة للعودة إلى السلطة، دفعت الإصلاح لابتلاع كل آلامه وآلام إخوانه، وتفضيل دور "الكاظمين للغيظ"... مصلحة الجماعة أولا، ولتسقط من بعدها، كافة اعتبارات "الإخوة الإسلامية" أو حتى "الإخوانية".
 
حالة الاستقطاب في الإقليم، لم تزحزح إخوان اليمن، عن تحالفهم المنسوج بخيوط المصالح وحساباتها الدقيقة، مع أن التحليل المبني على اعتبارات الأيديولوجيا، كان يملي عليهم، الاصطفاف في المحور التركي ـ القطري، حيث استقرت مختلف الجماعات الإسلامية... بعضهم لم يقو على الاحتمال، فكان الحل في تشقق الجماعة واندلاع النزاع الداخلي في أوساطها، وليس إعادة التموضع على خطوط الحرب وتحالفاتها... البراغماتية هنا، تتغلب على الأيديولوجيا، أقله إلى حين من الوقت، حتى وإن نظر البعض ذلك بوصفه "انتهازية" أو "تقيّة سنيّة" ليست أقل دهاءً من "التقيّة الشيعية".
 
التجربة الثالثة
من فلسطين هذه المرة، وأخص بها حركة "حماس"، الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، بل الفرع "الطليعي" للجماعة، الذي امتشق السلاح ورفع راية "الجهاد" نيابة عنها، كما ينظر كثيرون من الإخوان العرب للحركة الفلسطينية... فقد تكشفت الحركة عن قدرٍ كبيرٍ جدا من البراغماتية، برغم "الاتهامات" المتكررة الموجهة إليها بـ"تصلب الشرايين" الأيديولوجي.
 
ومع أن براغماتية الحركة، سبقت وصولها للسلطة بعد انتخابات 2006 التشريعية الفلسطينية، وانفرادها بحكم قطاع غزة، إلا أنها قطعت شوطا عظيما على طريق التحوّل، بالأخص في السنوات الفائتة، حيث أخذت أرض القطاع المحاصر و"المجوّع" تميد من تحت أقدامها.
 
هنا ستطغى "البراغماتية" على سلوك الجماعة، من دون أن تأبه بحكاية "المعايير المزدوجة"، لغايات حفظ "سلطة الأمر الواقع" وإدامتها، أوقفت الحركة "عملياتها الانتحارية" التي كانت من بين عوامل أخرى، واحدة من الأسباب التي أطاحت بمسار أوسلو في تسعينيات القرن الفائت... وللغاية ذاتها، دخلت الحركة في مشاريع "هدنات" و"تهدئات" متكررة ومتلاحقة، مع أنها صاحبة "الوكالة الحصرية" في الحديث عن "نهج المقاومة"... وللغاية ذاتها، تتغاضى الحركة عن نقد "العلاقات الطبيعية" التي تقيمها كل من الدوحة وأنقرة مع إسرائيل، لكأن هناك "تطبيع حلال" و"تطبيع حرام"... لقد بات جل اهتمام الحركة وتركيزها منصبا على "تخفيف" قبضة الحصار المفروض على القطاع، لأن هذا هو الطريق الأقصر لبقاء سلطتها واستمرار انفرادها بالحكم.
 
لقد وجد كثير من المراقبين، ومن بينهم كاتب هذه السطور، صعوبة جمّة في تفسير مشهد نقل "الكاش القطري" إلى القطاع، وقيام عناصر من الجيش والأمن الإسرائيليين بحمل هذه الأموال عبر المعابر إلى الحركة... لا "براغماتية" مُشبعة بالدلالات والمعاني أكثر من هذه... هنا البراغماتية و"الغايات التي تبرر الوسائل"، تكسّر قيود الأيديولوجيا ومبادئها الصارمة وشعاراتها الـ"فوق ثورية".
 
ذات يوم في الخرطوم، وفي لقاء لطالما تشوقت لإتمامه مع أبرز أركان ورموز الحركة الإسلامية الإخوانية، حسن الترابي، سألته في منزله، وبعد ساعتين من التطواف في تنقلاته المتتالية وتحالفات المتبدلة، من الشيوعيين وجون غارنغ، إلى البشير، مرورا بالمهدي والحركات الانفصالية المسلحة: هل تشعر بالأسف لأنك سوداني ولست مصريا؟... استغرب السؤال وقال أوضح قصدك، قلت كمصري بهذه الخلفية والثقافة والإرادة، قد تتاح لك فرصة حكم العالم العربي، أما السودان فدولة طرفية، "عباءاته ضيقة عليك"... توقعت أن أستثير حفيظته، وأن يُنهي اللقاء فورا، لكنه فاجأني بضحكة مجلجلة، ومن دون تعليق... فرح الرجل عندما أخبرته، بأن كتابا قد صدر بالعبرية في إسرائيل يتناول سيرته وتجربته، بعنوان: "حسن الترابي: ناطق بلسان الإسلام الراديكالي"، وهو كتاب كنت قد أوعزت لزملائي في مركز القدس للدراسات السياسية بنقله إلى العربية، قبل أن يتضح لاحقا، بأن مؤلفه سيصبح سفيرا لإسرائيل في الأردن.
    

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإخوان بين حدّي الأيديولوجيا والبراغماتية خلاصة واحدة وثلاث تجارب الإخوان بين حدّي الأيديولوجيا والبراغماتية خلاصة واحدة وثلاث تجارب



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 21:47 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد يستقبل وزير الشؤون الخارجية في الهند
 صوت الإمارات - عبدالله بن زايد يستقبل وزير الشؤون الخارجية في الهند

GMT 21:21 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
 صوت الإمارات - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 21:21 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد
 صوت الإمارات - نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد

GMT 21:21 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات
 صوت الإمارات - غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

GMT 14:42 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 17:17 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 19:08 2015 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

طقس فلسطين غائمًا جزئيًا والرياح غربية الأربعاء

GMT 02:06 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

"سامسونغ" تطلق Galaxy S7 قريبًا

GMT 14:46 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق كتاب للشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان

GMT 22:58 2015 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

سامسونغ تربح المليارات والفضل للهاتف "S6"

GMT 14:40 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

كلاب الدرواس تهاجم الناس وتقتل المواشي في مقاطعة صينية

GMT 07:31 2013 السبت ,24 آب / أغسطس

الصين ضيفة شرف معرض إسطنبول للكتاب

GMT 04:15 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

ديمو P.T يعاد تطويره في لعبة Dying Light

GMT 09:00 2015 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

شركة "سوني" تكشف رسميًا عن هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 06:14 2014 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

كوثر نجدي تطرح مجموعة جذّابة من فساتين السهرة

GMT 05:31 2018 الأحد ,18 شباط / فبراير

نادي الفروسية في الرياض ينظم حفل سباقه الـ"52"

GMT 11:23 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

جمعية "أم القيوين" الخيرية تتفاعل مع المسنين في عام زايد

GMT 14:49 2016 الخميس ,03 آذار/ مارس

المخ يدخل في صمت عندما نتحدث بصوت عال
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates