بقلم : عريب الرنتاوي
نجحت إسرائيل، وفشل العرب، في قطف ثمار الاستثمار الأمريكي في «الفزّاعة الإيرانية» ... إسرائيل والولايات المتحدة خلقتا هذه «الفزّاعة» وعملتا على تضخيمها والمبالغة في خطرها ...لا يعني ذلك، أن إيران لا تشكل تهديداً لأمن بعض دولنا العربية، أو أنها «جمعية خيرية» تكتفي بتقديم العون والإسناد لدولنا وشعوبنا، طوعاً ولوجه الله تعالى ... لكن المبالغة في تقدير الخطر الإيران، والإصرار على أنه يتقدم كافة التهديدات، كان سياسة منهجية منظمة، إسرائيلية – أمريكية، خصوصاً في عهد حكومات نتنياهو، وبرعاية من إدارة يمينية – شعوبية – إنجيلية في واشنطن.
لائحة المكاسب الإسرائيلية لا تُعد ولا تُحصى.... تل أبيب حصدت اعترافاً أمريكياً بضم القدس والجولان و»شرعنة» المستوطنات، وقريباً ضم غور الأردن وشمال الميت، وربما مناطق أخرى من الضفة ... تل أبيب قطعت شوطاً متقدماً على طريق إنجاز معاهدة دفاعية مشتركة مع واشنطن ... إسرائيل سجلت اختراقات «تطبيعية» في علاقاتها بدول عربية، قريبة وبعيدة، واليوم تمضي واشنطن في تسويق معاهدات «عدم اعتداء» بينها وبين بعض الدول العربية ... فضلاً بالطبع، عن صفقات التسلح، وزيادة المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية، وبصورة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الجانبين.
أما لائحة المكاسب الأمريكية، فهي بدورها طويلة للغاية ... مئات مليارات من الدولارات أنفقها العرب في صفقات تسلح فلكية، من دون أن يفضي ذلك إلى تعزيز جهاز مناعتهم الدفاعية، أو تطوير القدرات الهجومية لدولهم، بل ومن دون أن يفضي ذلك إلى تقليص اعتماديتهم الأمنية والدفاعية على واشنطن وبعض عواصم الغرب، بل إن قلق هذه الدول الأمني بات يدفعها للبحث عن صفقات أمنية ودفاعية مع إسرائيل ذاتها، وبات الحديث عن «ناتو» شرق اوسطي، أمراً مقبولاً للعديد من العواصم العربية، باعتبار أن إيران هي العدو الأشد خطورة، فيما إسرائيل تنتقل من موقع العدو الوجودي للأمة، إلى الشريك المحتمل في ترتيبات أمنية إقليمية بما فيها أمن الملاحة في الخليج والمضيق.
في المقابل، لم يجن العرب من سياسة الاستثمار في «الفزّاعة الإيرانية» سوى الفشل الذريع والخسائر الصافية ... مليارات الدولارات التي أهدرت من غير وجه حق أو حاجة، كانت تكفي لتحقيق تنمية مستدامة بكافة المعايير ليس لدولنا الغنية وحدها، بل لجميع دولنا العربية ... دولنا ومجتمعاتنا تحولت إلى ساحات لـ»حروب الوكالة» التي قضت على البشر والشجر والحجر في نصف دزينة من دولنا على الأقل ... والأرجح أن بعضا من حواضرنا التاريخية، لن تقوم لها قائمة لثلاثين أو خمسين سنة قادمة.
أمس عاد نتنياهو منتشياً من لقاء جمعه مع الوزير الأمريكي مايك بومبيو في لشبونة ... تقدم كبير لإنجاز معاهدة الدفاع المشترك ... ضوء أخضر «خافت» لضم الغور والبحر الميت، تفهم أمريكي كامل لمقتضيات «نظرية الأمن الإسرائيلية ... واتفاق ثنائي على تصعيد المواجهة مع إيران ... وتعهد أمريكي باستمرار العمل والتحرك لإنجاز معاهدات «عدم الاعتداء» بين إسرائيل ودول عربية لم تنخرط أبداً في الصراع العربي – الإسرائيلي، ميدانياً على الأقل.
المؤسف حقاً، أن دولاً عربية عديدة، بدأت تدرك متأخرة، بأن «الاستثمار الأمريكي في الفزّاعة الإيرانية» لن ينتهي إلى مواقف صلبة أو قاسية ضد إيران، لكنها من أسف، ما زالت سادرة في تيهها، عاجزة عن اجتراح البدائل، وغير قادرة على وقف نزيف مواردها ودماء أبنائها وبناتها... والأخطر من ذلك كله، أنها غير قادرة على خوض مواجهة جدية مع إيران ولا هي قادرة على صنع السلام معها.