بقلم _ عريب الرنتاوي
قف المنطقة برمتها على حافة «حرب خليجية رابعة»، بين إيران والولايات المتحدة هذه المرة ... عواصم المنطقة تقف على رؤوس أصابعها، ليس لأن الحرب خيار مفضل من قبل أي من طرفيها، بل لأن احتمالاتها تتزايد بتزايد احتمالات الانزلاق إلى أتونها، صدفة أو «بفعل فاعل»، والفاعل هنا إسرائيلي حصراً، وبشهادة أركان الإدارة الأمريكية.
تقرير استخباري إسرائيلي واحد، كان كفيلاً بدفع الأطراف إلى حافة الهاوية، والأرجح أنه من نمط تلك التقارير التي فبركها طوني بلير وجورج دبليو بوش، لتبرير حرب شعواء على العراق، أكلت الأخضر واليابس، وأودت بحياة مئات الألوف من العراقيين، قبل أن تعود واشنطن ولندن للاعتراف بأن تقاريرهما الاستخبارية لم تكن دقيقة (اقرأ كانت مفبركة)، إثر فشل المراقبين الدوليين وأكثر من نصف مليون جندي أمريكي (وحليف) في العثور على أسلحة دمار شامل عراقية، أو في الكشف عن «روابط» بين بغداد وتنظيم «القاعدة».
التاريخ يعيد نفسه اليوم، وعلى الصورتين المعروفتين معاً ... على صورة مهزلة بوجود رئيس أرعن في البيت الأبيض، وطاقم متصهين بالكامل، هم من أسماهم جواد ظريف بـ»الباءات الثلاث»: بينس، بومبيو وبولتون... والأخير بشكل خاص، رجل حاقد، كاره للعرب والفلسطينيين والإيرانيين والمسلمين، وتربطه علاقات وثيقة بجماعات ضغط تابعة لـ» مجاهدي خلق» ودول ثرية، وقد تلقى أموالاً منها قبيل دخوله البيت الأبيض كمستشار للأمن القومي بقليل.
ووفقاً لخبراء أمريكيين، فإن الرجل يتعامل مع كل ما يأتيه من إسرائيل أو يخدم مصالحها، بوصفه «كتاباً مقدساً» و»دليل عمل» للسياسة الخارجية والأمنية للدولة الأعظم ... أما التزام بينس العقائدي بإسرائيل، فثابت كما إيمان «الدواعش بحتمية انتصار الجهاد العالمي»، العقيدة عنده مقدمة على السياسة والمصالح، وإسرائيل تقع في قلب عقيدة الرجل وإيمانياته وخرافاته والأساطير المُؤسسة لخطابه ... الباء الثالثة، بومبيو، فهو الوزير الأقل كاريزما من بين وزراء الخارجية الأمريكيين، يكفي أنه سلم أهم ملفات وزارته لـ»الفتى الغرّ» وقبل أن يكون «ببغاء البيت الأبيض»، يردد ما يملى عليه من قبل ترامب و»آله أجمعين».
إسرائيل التي عارضت الاتفاق النووي، ونفذت العشرات من العمليات الاستخبارية ضد إيران، وأكثر من 200 غارة ضد أهداف إيرانية في سوريا، وتهدد بضرب إيران في العراق ... إسرائيل هذه، تريد توريط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران، نيابة عنها وخدمة لمصالحها، وهي وجدت في طاقم «الباءات الثلاث» ضالتها لتحقيق أغراضها... هي لا تجرؤ على خوض حرب مباشرة ضد إيران، وتريد للولايات المتحدة أن تقوم بالمهمة بدلاً عنها، وهذا هو بالضبط ما يلوح في أفق المنطقة اليوم، وأمام ناظرينا.
إيران لا ترغب الانخراط في حرب شاملة، وكذا الولايات المتحدة، بيد أن التاريخ ينبئنا بأن كثيرا من الأمم والدول، دخلت حروباً ضروساً لم تكن ترغب بها، بل وحاولت تفاديها ... فما الذي يحتاجه هذا الحشد العسكري الهائل لكي ينتقل من استعراض القوة إلى استخدامها؟ ... هل يحتاج لأكثر من ضرب ناقلة نفط بصاروخ طائش من اليمن أو حتى من إيران أو الخليج ونسبة ذلك إلى طهران وقياداتها؟ ... هل يحتاج لأكثر من رشقة صواريخ ضد هدف أمريكي في العراق، أو سيارة مفخخة تنفجر في موكب أمريكي، حتى تصبح الحرب خياراً أوحداً؟ ... أليس هناك أجهزة استخبارات إسرائيلية أو حتى إيرانية معارضة، متربصة، ومن مصلحتها اندلاع حرب كهذه، اليوم وليس وغداً؟ ... أليست لها من الأدوات الكفيلة بإشعال الفتيل وإحراق المنطقة من جديد، وإغراق المنطقة للمرة الرابعة في أقل من أربعة عقود، في أتون حرب كونية شاملة؟
فتشوا عن الأصابع الإسرائيلية، التي تعبث بأمن المنطقة واستقرارها وسلمها، إذ تعبث بعقول بعض صناع القرار الأمريكي، من غلاة المتشددين والمتطرفين، من «الخلايا الصهيونية النائمة» في البيت الأبيض والخارجية وغيرهما ... فتشوا عن اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي وجد ضالته في اليمن الأمريكي الشعوبي، وقرر أن يعيد صياغة شكل المنطقة وصورتها ... فتشوا عن «صفقة القرن» بما هي إعادة هندسة لخرائط القوى وتحالفاتها ومحاورها وأولوياتها، وليست مجرد «وصفة» لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الممتد، وانظروا كيف يجري التضييق على تركيا، وكيف يجري خنق إيران وحلفائها، وكيف تطارد جماعة الإخوان المسلمين... وكيف يحاصر الأردن اقتصادياً وتعاقب السلطة مالياً وسياسياً في الضفة وتضرب حماس عسكرياً في غزة... هل هي صدفة محضة، أن توضع جميع هذه الأطراف في قلب دائرة الاستهداف المركّز من قبل اليمين المتطرف الإسرائيلي والشعبوي الأمريكي؟