بقلم - أسامة الرنتيسي
حتى لو كان الميزاج الشعبي مستفز وغاضب من الأداء الحكومي عموما، ولم يشفّ بعد من قصة رواتب فلكية لمسؤولين في الدولة، إلا أن الحالة الشعبية تلتقط أية صورة إيجابية لمسؤول حكومي وتحتفي بها كأنها خارجة عن سياق الأداء الرسمي المترهل.
أقرأ منذ الأمس، تعليقات إيجابية بحق وزير لفت النظر إلى أدائه منذ اليوم الأول، ولفت النظر إلى حضوره المباشر في كل حدث يتعلق بوزارته وقضايا المياه الكبيرة، الوزير الدكتور معتصم سعيدان الذي تفقد مجرى سيل الهيدان وسد الوالة في مادبا، وقال لأحد مهندسي سد الوالة :”رح أكون صاحي وأي تطور رِن عليّ وسأكون عندك فورا”..
هذه المواصفات والروح الإيجابية ليست موجودة عند كثير من الوزراء والمسؤولين الذين يختبئون خلف أبواب مكاتبهم ويعقدون اجتماعاتهم التي لا تنتهي، ولا يتحركون إلا إذا دعاهم جلالة الملك أن يكونوا في الميدان.
موقف الوزير السعيدان (الذي لا أعرفه شخصيا) دفع أصحاب المزارع في محيط منطقة سد الوالة ووادي الهيدان إلى شكره وتقديره للجهد الذي تم في إطار فتح بوابة السد لخفض منسوب المياه في السد لمنع فيضانه الذي كان سيؤدي إلى إغراق المزارع والأراضي الزراعية في محيط السد ومجراه.
ثلاثة أو اربعة وزراء في الحكومة أداؤهم يشبه أداء أخونا السعيدان قادرون على حمل وِزر الحكومة المترهل، وقادرون على إعطاء صورة إيجابية عن المسؤول الذي يعطى فرصة للعمل، ولا يكون مقيدا من الجهات الداعمة لوجوده.
أما قصة الأرقام الفلكية للرواتب التي لا تزال مسيطرة على تعليقات الأردنيين، ففي سنوات العمل في الخليج، سمعتها كثيرا، مثلما أسمعها دائما من السياسي العميق الصديق ممدوح العبادي، حول الإنفاق العام في الأردن: «كأننا دولة بترولية».
هذه الملحوظة كانت ظاهرة للعيان في فترة الرخاء، وللاسف لا تزال ظاهرة في فترة الشدة، بنسب أقل، لكنها تبقى ملحوظة جوهرية، عن الإنفاق غير المبرر وغير المنتج.
تعظيم القيم الإيجابية مرتبط بحفظ كرامات المواطنين، لهذا فإن الإصلاح الاقتصادي بات متقدما على الإصلاح السياسي هذه الأيام، ويكفي حديثا وعناوين وشعارات للاصلاح الاقتصادي من دون تحقيق إنجازات على الأرض تعود مباشرة بالإيجابية على حياة المواطنين.
لكن هذا لا يعني تغييب مشروع الاصلاح الوطني الديمقراطي الشامل عن أجندة الدولة، بتكريس التعددية السياسية والفكرية والمشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية والمساواة، فمن خلالهما تحفظ كرامة الأردنيين.
الدايم الله…