قد تكون الصور التي نشرتها صحيفة “الغد” للمصور المبدع ساهر قدارة، صادمة، وموجعة، وكارثية، لكنها حقيقة يشاهدها معظمنا، ومنذ سنوات.
أخطر ما في الصور إنها لشاب في مقتبل العمر يلتقط طعامه من الحاوية، ولا تقل خطورة عن صرخة الشاب في مبنى أمانة عمان في القويسمة قبل إسبوعين…”بدنا نعيش بدنا نشتغل بدناش نموت…”
نعم؛ هناك بشر يتسابقون إلى حاويات القمامة يتلقطوا منها طعاما يسد جوعهم.
نعم يا حكومة، إنهم يأكلون من القمامة، ويحاولون أن يغطوا وجوههم هربا من تلصص الأعين عليهم.
لا تحتاج أوضاع المواطنين المعيشية الصعبة الى شواهد، وأرقام فقر، فالحال مكشوفة أمام الجميع، والضغط المتوالي على لقمة العيش أصاب الفئات جميعها، المسحوقة اصلا، وسحق الكورونا من تبقى من الطبقة الوسطى، حتى طبقة الـ 5 % المنعمة، بدأت تتململ، وبات لديها شكاوى كالمسحوقين بأشكال مختلفة.
“والله.. لا أجد سوى الخبز والشاي أطعم أولادي”… صرخة تسمعها هذه الأيام كثيرا، وتسمع أيضا عن معاناة المستفيدين من صندوق المعونة الوطنية، كيف لا تكفي الدنانير القليلة التي يتقاضونها لتوفير الاحتياجات الأساسية.
مشهد لا يزال محفورا في ذاكرتي منذ سنوات يكشف عن بروفة قاسية لقياس حجم الفقر والحاجة في الأردن، من خلال الطوابير التي كانت تتكدس أمام فروع البنوك المعتمدة لاستلام مبالغ زهيدة وزعتها الحكومة على المواطنين المحتاجين بدل دعم الخبز، وكم كانت لغة الأعين مفجعة في الصور التي كان مصورو الصحف يلتقطونها لرجال ونساء يحاولون ان يخفوا وجوههم بظهور بعضهم حتى لا تنكشف أمام الكاميرات.
هذه البروفة المؤلمة، لم تقف اية جهة معنية بالدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن عندها، مع أنها ساحة حقيقية لمعرفة أوجاع الأردنيين، الذين تعبوا كثيرا من شد الأحزمة على البطون، وتعبوا أكثر من سلسلة الارتفاعات في نسب التضخم التي طالت كل مرافق الحياة في الأردن، ومن الضرائب التي لا تنتهي، ومن شكاوى الحكومات التي لا تتوقف، عن صعوبة الأوضاع التي تمر بها مالية الدولة العامة.
ليس حديث مختصين، ولا قراءات معتمدة على دراسات، لكن كل ما يجري في الأردن، من فوضى وإضطرابات عمالية وقطاعية وحقوقية في عدد واسع من المؤسسات، وما يقع من عنف اجتماعي، وارتفاع نسب الطلاق، ومشاجرات عائلية تُشهر فيها الأسلحة النارية فورا، والغضب والعنف في خطاب الأردنيين، سببها الأول والأخير صعوبة الأوضاع المعيشية التي يَحيونها.
عندما يقف الإنسان عاجزا عن تأمين حاجات أسرته من مأكل وملبس وأساسيات الحياة، فإن غضبا عنيفا سيُختزل في داخله، وعندما يعجز ولي أمر طالب جامعي عن توفير قسط ومصروف ولده، فإن “عفاريت الدنيا” تتفاعل في دماغه، وعندما لا تجد أسرة إلا الخبز والشاي (إن وجدا) لتقتات بهما، فلا يتوقع أحد أن يكون هناك اطمئنان وشعور بالأمان لدى المواطن الأردني.
تنص الفقرة الثالثة من المادة السادسة من الدستور الاردني على: «تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكاناتها، وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين»، فهل تستطيع الحكومة ان تدعي أنها لا تخالف الدستور.
لا نريد أن نحاسب الحكومة على قضية العمل والتعليم، فنحن نعرف إمكانات الدولة جيدا، لكننا لن نتنازل عن قضية الطمأنينة، وأتحدى ان يتجرأ أي مسؤول حكومي على نفي تسرب عدم الطمأنينة الى عقول وقلوب الأردنيين، وأصبح الخوف من المستقبل وضبابية المرحلة يسيطران على مخيلة الجميع….
الدايم الله…..