بقلم :أسامة الرنتيسي
لنترك التفسيرات الخبيثة الساذجة التي انطلقت بعد الذي وقع مع الأمينة العامة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ريما خلف، بعد تقريرها التاريخي؛ بأن إسرائيل دولة فصل عنصري (أبرتايد)، واستقالتها بعد ضغوط كبيرة لسحب التقرير، ولم يتأخر كثيرًا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن قبولها، التفسيرات أرجعت سبب الاستقالة لأن عقد خلف مع الأمم المتحدة ينتهي في نيسان المقبل… قمة البذاءة والسطحية وعدم احترام المواقف النظيفة الشريفة.
ما حدث مع خلف يكشف عن عمق التأثير الصهيوني في مسامات ليس معظم دول العالم فقط، بل في أكبر كذبة في التاريخ ألا وهي”هيئة الأمم المتحدة”، ويكشف أيضًا عن الفساد الخارق في بنية الدولة العبرية. وللأسف انتقل هذا الفساد الى عقليات عفنة تعيش بيننا.
فأدبياتُنا العربية تزخر بالمقالات الواسعة والتحليلات عن الفساد الذي ينخر في الكيان الصهيوني، وتَفرد الصحافة الإسرائيلية صفحات عديدة مستعرضة الفساد الذي ألَمَّ بالدولة العبرية في السنوات الأخيرة، بحيث أصبح ظاهرة شبه عامة في الكيان الإسرائيلي، على الصعيدين السياسي والعسكري.
ما حدث مع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ما هو إلا غيض من فيض، وما حدث مع الرئيس الإسرائيلي الأسبق عيزر فايتسمان قصة أخرى.
لقد طال الفساد رموزًا كبيرةً في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ذاتها، كما وضح أثناء حرب تموز في عام 2006، بينما المعارك تدور كانت هناك مجموعة من الجنرالات الصهاينة يتابعون مصالحهم الشخصية في السوق المالية والأسهم.
هذا الكيان القائم على العنصرية والحقد، كيان احتلالي استعماري، كيان يدق طبول الحرب، كيان لا يمكن إلّا أن يلد ظواهر فساد وفساد كبير، فالساسة والعسكريون في هذا الكيان الغاصب بحاجة لدولارات الفساد قدر حاجتهم لبنادق تكرس الاحتلال وتغذي العدوان.
الشواهد كثيرة على الفساد في دولة الاحتلال، ومنها إدانة وزير المالية السابق “أبراهام هيرشزون”، ووزير الشؤون الاجتماعية الأسبق “موشيه بن عيزري”، باختلاس المال العام، وخيانة الأمانة، وسوء التصرف في الممتلكات الخاصة بالدولة، وصدور حكم بسجن كلّ منهما عدة سنوات، وكانت فضحية “أولمرت” فصولًا متعاقبة بتلقّي رشاوى، واستغلال المنصب العام، وتضليل التحقيق القضائي، وهو ما سلط الأضواء على فساد النظام السياسي لدرجة جعلت كثيرًا من مراكز الأبحاث في تل أبيب تؤكد أن الفساد أصبح سمة متأصلة للنظام السياسي الإسرائيلي.
أولمرت ليس رئيس الوزراء الوحيد الذي طاله التحقيق في قضايا فساد، فمجرم الحرب أرئيل شارون تم التحقيق معه حول قضايا فساد، ومنها ما هو متعلق بأحد أبنائه، وتم التحقيق مع نتنياهو وقديمًا مع إسحق رابين، وتم التحقيق أيضا مع وزراء مثل صاحي هانجبي وإسحق مورداخاي. وأفلت عدد من السياسيين حتى الآن من التهمة والإدانة، بينما دفع بعضهم الثمن مثل رئيس الدولة الذي اضطر إلى الاستقالة، ووزير الدفاع الذي لحقت به إهانات حولت حياته إلى جحيم.
في إسرائيل تنتشر العصابات السُّفلية والفوقية، تهتم العصابات السُّفلية بقضايا تهريب المخدرات والاعتداء الجسدي والاتجار بالنساء وتبييض الأموال والسرقات المالية وغير المالية. أما العصابات الفَوقية فتهتم أساسا بما يُسمّى عربيًا بالإكراميات وتبادل المصالح والمحسوبيات والوساطات والرشاوى.
بالتأكيد؛ ليست فطنة من شخص عادي أن يخرج علينا بأن سبب استقالة خلف هي انتهاء العقد، ولكنها عُقدة مؤسسات وجهات لا تعرف الكرامة والمآثر.