بقلم: أسامة غريب
فى العزل الإجبارى الذى فرضه فيروس كورونا تراودنى أفكار لا تنتهى بفعل الوحدة والقلق، منها ماذا سأفعل إذا علمت أن غدًا هو اليوم الأخير، وأنه لن تكون هناك أيام أخرى؟. بعد تفكير وأخذ ورَدّ وصلت إلى إجابة وقلت لنفسى ما يلى:
سأنهض فى الصباح وقد زايلنى القلق على المستقبل.. ما أجمل أن يتخفف الإنسان من التوتر والخوف من الغد وما قد يحمله من مفاجآت. لقد عوّدتنا الحياة أن تأتى لنا بالمسرات كما تحمل لنا المُنغِّصات، ومع ذلك فكل الناس تخشى المجهول وما قد يأتى به من عذابات وإخفاقات وأمراض وأنباء قاسية.. كل هذا سيزول إذا حلت النهاية. لا شك أن النهاية ستكون جميلة، ومن ضمن فوائدها أننى لن أقلق على صحتى وصحة أحبائى ولن أنشغل بالفلوس وكيف أجنيها، كما أن الغضب سيتوقف من الصحف التى أكتب فيها ولا تدفع لى مستحقاتى والناشرين الذين يطبعون كتبى ويبيعون ثم لا يدفعون.. كل هذا سيتلاشى إلى غير رجعة.
بعد ذلك سأجلس إلى المكتب لأداء واجبى وكتابة مقال جديد دون أن أدرى هل أقرؤه أم يكون التراب قد احتوانى قبل الطبع. يلى ذلك أننى سأُكافئ نفسى بإفطار أفتقده من مدة ولن ألقى بالًا إلى قرحة المعدة ومقتضياتها، حيث إن كل الآلام على وشك أن تنتهى، لهذا سأقوم بتجهيز طبق فول بالزيت الحار والشطة، ولسوف أدوس فى البصل الأخضر وألتهم منه كما أريد غير عابئ إذا تضرر أحد من رائحته، بعد أن فات أوان العتاب!. بعد الإفطار سأعمل لنفسى «شاى» بحليب وأستمع إلى الست.. وبصراحة لا أظننى سأنشغل بالمصير بعد الموت ففى كل الأحوال أنا رابح، ذلك أننى لم أعمل طوال حياتى فى خدمة الأنذال، كما أننى لم أكتم الشهادة مطلقًا.. أما ذنوبى فلم تعد تقلقنى بعد أن عشت وشفت الكثير من الأوغاد الحقيقيين، ولا أظن العادل الرحيم يساوينى بأى وغد منهم، وفى الجنة لا أريد نساء أو غلمانًا.. أريد الهدوء. بعد ذلك سأقوم بتشغيل فيلم لإسماعيل يس. عندما ينتصف الليل سأبدأ حفلة القراءة الليلية وسأنتقى أحد أجزاء قصة الحضارة للمؤرخ العظيم ويل ديورانت.
لن أودع أحدًا من أصحابى أو أحبائى لأننى أعتقد أنهم سيدخلون الجنة وسألقاهم هناك، وبالتالى ليس هناك داعٍ لتضييع الوقت معهم.. لكن علىَّ أن أفكر فى أحد من المثقفين الذين أثق فى دخولهم جهنم لأسأله عن حاله بعد أن أضاع كل الفرص التى واتته ليكون رجلًا!
بعد ذلك لو فاض وقت ولم تكن القارعة قد أتت بعد فإننى سأحمل قدحًا من القهوة وأدخل البلكونة المطلة على جبل المقطم وأمارس ما كتب عنه الشاعر محمد الماغوط، وقد خبرته وجربته شخصيًا، وهو: البكاء فى ضوء القمر.