بقلم - أسامة غريب
التساؤل عن سر السعى للمصالحة الخليجية الآن له وجاهته، وقد أدلى المحللون والمراقبون كلٌ بدلوه وأفاضوا فى الشرح والتحليل وتبيان الأسباب، ومع ذلك لم أقتنع بما قرأت أو رأيته ناقصاً، فبالنسبة لمسألة أن ترامب يريد أن يحشد الجبهة الخليجية ليشن حرباً ضد إيران.. هذه الحجة لم تقنعنى لأسباب منها أن عملية التحشيد ضد إيران مستمرة منذ الثورة الإيرانية عام 1979 عندما تم احتجاز الأمريكيين كرهائن داخل سفارتهم بطهران، وبعدها لم يتغير الموقف من إيران بتغير الرئيس سواء كان ديموقراطياً أو جمهورياً، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة لم تتخذ هذا القرار بالحرب أبداً، وحتى عندما استحثتها إسرائيل على مشاركتها الهجوم أو حتى أن تقوم به إسرائيل منفردة فإن واشنطن لم توافق. إذن عمليات تحرك قطع الأسطول الأمريكى قرب بحر العرب وقيام قاذفات القنابل الثقيلة بى 52 بالقدوم من قاعدتها بأمريكا لتحلق فوق الخليج على مقربة من السواحل الإيرانية، وزيارات بومبيو إلى إسرائيل ثم إلى بعض العواصم الخليجية، كل هذا لا يعنى أن هناك ضربة وشيكة يتم التحضير لها. ولو كان ترامب يريد الحرب فقد كان لديه أكثر من فرصة طوال سنواته الأربع، وكانت الأقرب عندما أسقط له الإيرانيون طائرته ذات التقنيات المعقدة فى مايو من العام الماضى، وأيضاً عند الهجوم على بقيق وخريص فى السعودية، وإصابة منشآت «أرامكو».. كل هذا تعامل معه ترامب بحكمة ولم يندفع فى سكة الحرب.
لكن هناك من يرى أن الرئيس الأمريكى رغم حبه للصفقات ونفوره من الحرب إلا أنه قد يسعى قبل مغادرته السلطة فى وضع الألغام فى طريق الرئيس الجديد، ومن ضمن هذا أن يندفع فى مغامرة عسكرية تخلط الأوراق وتجعل تفاهم الديموقراطيين مع إيران بعد ذلك أمراً مستحيلاً. ورغم منطقية هذا الطرح إلا أن البنتاجون غالباً لن يرحب بالتورط فى حرب ليس هناك أسباب جدية لها بناء على أوامر من رئيس سيرحل بعد أيام، وهم فى وزارة الدفاع قادرون على التظاهر بمحاولة تنفيذ الأمر الرئاسى مع التعلل بوجوب التحضير له بمدة كافية. يبقى السؤال: لماذا العجلة الأمريكية فى تحقيق المصالحة الخليجية الآن، خاصة أن الخصومة التى وقعت عام 2017 كانت بمباركة ترامبية، وكان بمقدور الرئيس الأمريكى أن ينهيها فى أى وقت لو أراد فعلاً.
فى ظنى أن هذه المصالحة لن تتم لأن الإرادة الأمريكية بشأنها غير صادقة، وإنما الهدف من كل هذه التحركات هو رغبة الدولة العميقة فى أمريكا فى منح بايدن وضعاً تفاوضياً جيداً أمام الإيرانيين حينما يأتى أوان الجلوس معهم، ومن آيات هذا الوضع جبهة خليجية خالية من التناقضات، وفى ظنى أيضاً أن العلاقات العربية المتسارعة مع إسرائيل هى أيضاً جزء من عملية توسيع الجبهة الموحدة ضد إيران، ليس بغرض ضربها عسكرياً وإنما من أجل ابتزازها على مائدة المفاوضات.