حسن البطل
١- «فيكوس» حسناء نائمة
أتردد بين أغنية وقصيدة. أغنية الأطفال في غوطة دمشق: «هزّ التوتة يا توّات» وفي القصيدة جاء: «حبيبتي تنهض من نومها».. وهذه الشجرة ليست توتة، لكنني أهزها لأعجّل في يقظتها من سبات شتوي غير عادي عليها.
ليست الشجرة شجرتي المفضلة بين الأشجار، لا توته ولا صنوبرة .. ولا حتى شجرة حور. لكنها أزاحت الصنوبرة من أرصفة شوارع رام الله.
ترونها «مظلة صيف» وارفة الأغصان، تمدّ أغصانها الى جارتها في حدائق أريحا مثلاً، وبالذات في الحديقة الاسبانية وحديقة «بوباي» وأرصفة شوارع «مدينة القمر».
إنها شجرة «فيكوس» ذات الاسم الاعجمي، لا توتة، ولا صنوبرة، ولا حورة وصفصافة. متوطنة إنها تغزل اوراقاً كالقلوب الصغيرة وتبقى ترتدي الأخضر في الفصول الأربعة، خلاف ميقات التوتة والحورة في يقظتهما من سباتهما الشتوي بحلة جديدة من ثوب أخضر.
لماذا أهزّ هذه الـ «فيكوس»؟ لتنفض عن فروعها والأفنان أوراقها الذابلة في هذا الشتاء البارد غير المعتاد، عسى ان تستبدلها كما في شغل «التريكو» بأوراق جديدة.
ثلجتان هذا الشتاء، ومرت ثلجات أقسى في شتاءات سبقت، لكن هذه الشجرة ماتت اوراقها من صقيع غير معتادة عليه. قد يهرب الدم من اطراف الأصابع في صقيع شديد، وقد يبترون بعضها إن طال الصقيع واشتد.
أصابع الاشجار، دائمة الخضرة، أغصان وأفنان تنتهي بأوراق وهي اول من يموت في صقيع غير معتاد، كما صقيع هذا الشتاء، وافر الامطار، لكن الحرارة في رام الله تدنّت، في بعض الليالي، الى -o4 وهذا غير معتاد.
ماتت اوراق الـ «فيكوس» ولكن في افنانها بقية من رمق الحياة، او «مصل» كان ما يشبه «ربيعين» عابرين في شتاء قاس.
يقولون: تموت الأشجار واقفة، ولكل شجرة عمر حياة افتراضي من ٢٠ سنة حتى آلاف السنوات، ثم تموت واقفة. لماذا تموت؟ يقولون إن السوس نخرها، لكن القول الصحيح أن حشرة السوس «تسمع» حشرجات الموت، ويصير سيللوز الشجرة وليمة، بعد ان جفّ الماء والنسغ في عروقها.
أفاقت شجرة الحور من سباتها، وسبقتها أشجار مثمرة لا تخلف ميعاداً إن أخلف الشتاء عاداته في المطر والصقيع.
«أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً ..» والربيع يضحك في آذار، لكن هذه الشجرة لن تقوم من «سبات الدب» القطبي إلاّ في نيسان لتغزل ثوباً أخضر جديداً.
لوحة بغير ريشة
كأن ربيع فلسطين هذا العام لوحة بريشة كبار الرسامين الانطباعيين العالميين، الذين تباع لوحاتهم بعشرات الملايين.
في يوم المرأة العالمي اصطادت عدسة (إ.ب.أ) لقطة من حقول طوباس لا تقلّ روعة عن رسمات كبار الانطباعيين.
درب ترابي يقسم الصورة - اللوحة، تسير فيه امرأة وزوجها، الى يمين الصورة نباتات مغطاة بالنايلون، والى يسارها سجادة صفراء - بيضاء من زهور الصفّير والاقحوان، وفي خلفية اللقطة - الرسمة تلال خضراء ومشجرّة.
للشاعر - الشاعر قصيدة في مديح آذار، حيث تنطق الأرض بأسرارها، وحيث توّجت أسرار الأرض في «يوم الأرض». «حضراء يا أرض روحي» وأشدّ الاخضرار حيث الموسم المطري جيد هذا العام ومعدله السنوي: طوباس + ١١٢، طمون +١٢٢. غزة الرمال +١٤٩.
امتلأت «آبار الجمع» في بيوت طموّن المبنية على الصخر، فماذا عن حقولها؟ هل اضافوا «الزبل» لحقول القمح والشعير، أم لا. هناك مثل في طموّن: مطر وافر يحرق القمح من سماد الزبل، فيأتي الحصاد قشاً، ومطر غير وافر يجعل السنابل تعطي حصاداً معتدلاً من القمح «من سمّد حصد قشاً، ومن لم يسمد حصد حباً».
نورت الخبيزة
«إذا نوّرت أُطعمت للحمير» وقبل أن تنور هذه الخبيزة طبخت ثلاث طبخات. دعكم من قول اليهود: الخبيزة خبز العرب. دعكم من فوائدها .. وأهم ما فيها أنها ملينّة للمعدة.
غيوم تركض
زيارة شتوية قطعت أربعة أيام ربيعية. إن انقشعت غيوم تركض من الغرب الى الشرق، فهي تسير ظلالها عكس السير في شوارع من الشرق الى الغرب .. كأنها حوادث مرور بلا خسائر، وبلا ضحايا.