بقلم - حسن البطل
«سألتُ وجهك أستجلي به طرقي ..
سألتُ الرّيح والطرقا».
أدونيس
***
من درجة حرارة ربيعية في منطقتنا هذا الأسبوع، إلى درجة حرارة شبه سيبيرية الأسبوع المقبل.. وسنرى، بعد أسبوعٍ صقيعيٍّ ماطر، كيف سيتبدّل مقياس التهطال، وبعد شهر ربما نقيس درجة حرارة الذهاب إلى الانتخابات الثالثة، مقارنة ببيان 14 فصيلاً في القاهرة.
كلما ذهبت إلى الجريدة لتسليم هذا العمود، أمدّ كفّ يدي مستعطياً جهازاً غريباً يبصق فيها قطرتين من المعقّم، ثم يعطيك درجة باروميتر حرارة جسدك.
منذ هذه الجائحة، وإلى اليوم، تتذبذب بين 35 ونصف و36 ونصف، لكن حرارة «أطراف النهار» خلال أسبوع مضى تذبذبت بين عمود يوم 7 شباط وعمود يوم 9 شباط بمقدار ثلاثة أضعاف في عدد قراءات القرّاء. هذا كان عموداً عن ولد كان في السادسة مطلع الانتفاضة الثانية، وذاك عمود عن تطور موقف الشرعيات القانونية الدولية للقضية الفلسطينية.
من قرار محكمة العدل الدولية 2004، إلى تقرير غولدستون 2008.. فإلى قرار المحكمة الجنائية الدولية 2021.. خلال عشرين عاماً.
صحيح أن الأسلوب هو الكاتب، أو بالعكس، لكن هناك «ماء» في عمود، وهناك «جفاف» في لغة عمود عن القانون الدولي. لغة الشاعر درويش في خطاب إعلان استقلال فلسطين غير لغته في قصيدة «الجدارية» مثلاً.. والأسلوب هو ذاته.
لكم رأيكم وذائقتكم في لغة درويش، ورأيكم وذائقتكم في لغة أدونيس.. حصل أن سألت شاعرنا عن ذلك، فقال: هناك «ماء» وهناك «فكر». مع ذلك، أجد في مطلع هذا العمود ماءً وفكراً معاً، كما أجد ما كتبه في خطاب عرفات أمام الجمعية العامة 1974 المعروف بغصن الزيتون وبندقية الشاعر، وما كتبه في خطاب عرفات بإعلان الاستقلال 1988 ماءً وفكراً معاً. ربما لهذا وجد الشاعران في شعر المتنبي ما يكفي من «الماء» ومن «الحكمة» معاً: «على قلق كأنّ الرّيح تحتي». العالم على قلق!
صرت أنشر عمودي، منذ سنوات، على «الفيسبوك» كما على الجريدة الورقية، لأن قرّاء «الفيسبوك»، صاروا أكثر كثيراً من قرّاء الجرائد اليومية، لكن تعقيباتهم صارت أقل، ربما لأن قائمة أصدقائي ليست طويلة، فهي لا تتعدّى كثيراً الـ 450، بينما للبعض قائمة كاملة من 5000 صديق ومشروع قائمة إضافية، أيضاً.. ولهم الوافر من الإعجابات والتسخيفات معاً!
عمودي يترنّح، أو أنني أترنّح، لكن في هذه الجائحة التي جعلت العالم بأسره يترنّح، بقي باروميتر حرارة جسدي يتذبذب درجة واحدة لا غير.
***
كانوا يقولون: إن أمطرت في موسكو حمل أنصارها مظلاتهم في أربعة أركان المعمورة، وصاروا يقولون: إن ترنّحت الولايات المتحدة، هذا العام، بين «تياسة» سياسة ترامب و«دبلوماسية» سياسة بايدن، فإن العالم والدولار يترنّحان؟
بالذات، يترنّح العالم بين العودة إلى اتفاق فيينا النووي الإيراني 2015، وبين شروط العودة الأميركية لذلك الاتفاق، الذي انسحبت منه وحدها، في العام 2017!
الأمر أشبه بعضّ أصابع بين إيران وأميركا، ومن يصرخ أولاً يخسر، والاتحاد الأوروبي يترنّح بين العودة إلى اتفاقية (5 + 1) وبين شروط إدارة بايدن لتعديل الاتفاق، لجعله أطول مدى زمني ويشمل الصواريخ الطويلة.
عضّ الأصابع هذا أشبه بلعبة الأطفال، أيضاً، أي على الطرفين أن يتقدما للقاء، مع نقل كل خطوة بخطوة مقابلة، كعب القدم اليمنى أمام أصابع القدم اليسرى، ومن يدوس قدم الطرف الآخر هو الرابح، أو لعبة «شدّ الحبل».
الحلّ هو في تزامن خطوات رفع العقوبات الأميركية مع وقف إيران لتخصيب اليورانيوم، وأميركا تقول، الآن: «القليل مقابل القليل» أي خطوة صغيرة مقابل خطوة صغيرة مقابلة!
إيران ربما لديها «عقدة مصدّق» الذي أمّم شركات النفط في خمسينيات القرن المنصرم، فرتبت أميركا انقلاباً ضده، وأعادت حليفها شاه إيران إلى الحكم. إسرائيل لديها عقدة من المشروع النووي الإيراني، أو خوفها المصيري من توازن الردع النووي، وأميركا لديها عقدة من «تياسة» سياسة الرئيس ترامب، ليس فقط سياسته إزاء إيران، بل وسياسته إزاء العالم، وكذلك بالذات سياسته إزاء كيفية جعل أميركا عظيمة من جديد.. كيف؟ منقوصة هيبة واحترام رئيسها؟
في الشهر المقبل، ستعود إدارة بايدن إلى قيادة العالم، ليس من الموضوع الإيراني، بل من مؤتمر دولي ثالث للمناخ، بعد قمة ريو دو جانيرو، وقمة باريس.
فقط، بعد غياب ترامب أمكن لمنظمة الصحة الدولية أن تزور مدينة ووهان، وأن تكذّب ادعاء ترامب بأن هذه الجائحة صناعة فيروسية صينية مخبرية.
***
«سألتُ وجهك أستجلي به طرقي ..
سألتُ الرّيح والطرقا»
.. وما جاءت به الرّيح تذهب الرّيح به.