ما الذي أشعل بيروت

ما الذي أشعل بيروت؟

ما الذي أشعل بيروت؟

 صوت الإمارات -

ما الذي أشعل بيروت

حازم صاغية

إذاً عدنا إلى 1975. الذاكرة راحت تتقيّأ صفحات ظنّ بعضنا من أصحاب النوايا الحسنة أنّها طويت. مقتل معروف سعد. بوسطة عين الرمّانة... استُدعيت إلى يومنا الراهن. إنّ الماضي لا يمضي في لبنان.
مع هذا فإنّ ما يجعل ذاك الماضي حاضراً، وربّما مستقبلاً، له اسم واحد: الاستبداد.
والاستبداد قد يصدر عن سلطة وقد يصدر عن جماعة مسلّحة تفرض بقوّة سلاحها ما لا يستطيع الآخرون الأضعف أن يعترضوا عليه. يوم الخميس الماضي، ظهر من يعترض فاشتعلت بيروت.
الخلفيّة الأبعد تعود بنا إلى اتّفاق الطائف الذي طُبّق برعاية النظام السوريّ. هكذا صُنّف سلاح «حزب الله» شرعيّاً فيما كانت التنظيمات المسلّحة الأخرى تسلّم سلاحها. الجمهوريّة الثانية وُلدت محكومة بهذين الاختلال والتمييز. الأمر تفاقم بعد الانسحاب الإسرائيليّ الأحاديّ في 2000. السلاح، الذي اختُرعت له مزارع شبعا، بقي في يد أصحابه.
ما كان يفاقم التمييز والاختلال أنّ شطراً عريضاً من اللبنانيّين كان قد انخرط في حرب 1975 اعتراضاً منه على السلاح. قادة هذا الشطر باتوا موزّعين بين السجون والمنافي. الاعتراض على السلاح بات يُعدّ رسميّاً خيانة وطنيّة. المعارضة ممنوعة. الذين رأوا أنّ لبنان استطاع أن يحمي نفسه بين 1949 وأواخر الستينات باتّفاق الهدنة عُدّوا خونة، أو في أحسن أحوالهم مشبوهين.
اغتيال رفيق الحريري في 2005 لم يستطع هذا السلاح أن يبرّئ نفسه منه. خروج القوّات السوريّة من لبنان وسّع سلطته ونفوذه. في 2006 ارتأى أصحاب السلاح خوض حرب مدمّرة تطوي القضايا التي أثارها اغتيال الحريري، أي الحرّيّة والسيادة والاستقلال. عدنا إلى «القضايا المصيريّة» التي تموّه وتزوّر كلّ قضيّة فعليّة.
لكنّ معارضة تلك الحرب المدمّرة هي أيضاً خيانة.
الأكثريّات البرلمانيّة ممنوع أن تحكم. الحكومة حين تبدي أدنى اعتراض على السلاح تنهار بانسحاب ممثّلي المكوّن الشيعيّ منها. إنّها لا تعود ميثاقيّة.
معارضة السلاح متى رفعت صوتها جوبهت باحتلال العاصمة، وهو حرفيّاً ما حصل في 7 أيّار 2008. خرافة أنّ هذا السلاح وُجد لحماية لبنان تلقّت يومذاك صفعة مدوّية. حماية الخرافة باتت تستدعي ضمانات أخرى: البيانات الوزاريّة صارت مُطالَبة بأن تتبنّى معادلة «جيش وشعب ومقاومة». المعارضة ممنوعة أيضاً. من يعارض عميلٌ للسفارات. الضمانة الأخرى كان يوفّرها ترويع المناطق التي قد تعترض على السلاح: في شارع الحمرا كما في حيّ الأشرفيّة باتت تتكرّر الزيارات اللطيفة التي تعلن أنْ «لبّيك نصر الله».
أهل السلاح قرّروا المشاركة في قمع الثورة السوريّة، ثمّ في الحرب الأهليّة بسوريّا. من له رأي آخر في النزاع السوريّ تكفيريّ موصوف أو أداة يشغّلها الشيطان الأميركيّ. يصحّ في هؤلاء ما يصحّ في أصحاب وجهة النظر المغايرة بشأن حماية لبنان من إسرائيل.
إلى تلك الخلفيّة جاءت الأزمة الاقتصاديّة تطرح تحدّياً آخر: من رأوا أنّ سياسة لبنان الخارجيّة ينبغي أن تواكب مصالحه وتخدمها قُدّموا بوصفهم يتآمرون على السلاح. كي يكونوا مقبولين عليهم أن ينسوا العلاقة بالخليج وبأوروبا والولايات المتّحدة، وأن يبحثوا عن مصالحهم في إيران والصين.
ثورة تشرين ضدّ الجماعة الحاكمة وفسادها هي أيضاً ممنوعة. إنّها تخلّ بالشروط الأكثر ملاءمة للسلاح. المنع يتّخذ أشكالاً كثيرة تبدأ بمنع الطائفة الشيعيّة من المشاركة، ولا تنتهي بهجمات الهاتفين «شيعة، شيعة» على المتظاهرين.
الطامة الكبرى كانت مع تفجير مرفأ بيروت الذي يعتبر المسيحيّون أنّ مناطقهم دفعت أفدح أكلافه. شبهات جدّيّة حامت حول النظام السوريّ عبر بعض سماسرته. السلاح قال إنّ التحقيق مسيّس. المحقّق العدليّ الأوّل فادي صوان لا يصلح للمهمّة. المحقّق الثاني طارق بيطار غير مرغوب فيه.
الأيّام القليلة التي سبقت يوم الخميس الدامي شهدت حملة تخوين وتخويف وابتزاز لا حدود لها. التشهير والتخوين كانا هناك. الإيحاء بتكرار 7 أيّار 2008 كان هناك أيضاً. التصريح بفرط الحكومة وإطلاق التهديدات في مجلس الوزراء جاءا أقرب إلى تزييت البنادق.
كلّ هذا لمنع محاكمة!
بعد اغتيال رفيق الحريري هوجمت المحكمة الدوليّة بضراوة لأنّها دوليّة. مع التحقيق في تفجير المرفأ، لا يراد لمحكمة وطنيّة أن تحاكِم.
إذاً، الأمر موقفٌ من مبدأ التحقيق، ومن كلّ تحقيق. لقمان سليم الذي اغتيل في عرين «حزب الله» لا يزال اغتياله يبحث عمّن يحقّق فيه. إنّ الجريمة شرط المقاومة بقدر ما أنّ المقاومة شرط الجريمة.
لقد بلغ الاستبداد ومنع معارضته، والتشهير بمعارضيه أو فرض أشدّ العقوبات عليهم، حدّاً لم تعد تنفع معه خرافة «القضيّة المقدّسة» أو خرافة «السلاح لحماية لبنان». حتّى الوطن يغدو، والحال هذه، خرافة بحتة لا تريدها أكثريّة أبنائه، واكتشافُ أنّ الوطن خرافة قد يشعل، لشديد الأسف والألم، حرائق أخرى كثيرة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما الذي أشعل بيروت ما الذي أشعل بيروت



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates