النظام السوري في «فلسفته» للمقاومة

النظام السوري في «فلسفته» للمقاومة

النظام السوري في «فلسفته» للمقاومة

 صوت الإمارات -

النظام السوري في «فلسفته» للمقاومة

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

قبل أيام قليلة، ليل الخميس - الجمعة تحديداً، أصيب اللبنانيون مجدداً بالهلع، لقد سُمعت أصوات صواريخ أُطلقت من جهة البحر الأبيض المتوسط فوق بيروت، ثم انعطفت شمالاً، مستهدفةً منطقة مصياف في محافظة حماة السورية. الحدث ليس جديداً. الخوف ليس جديداً.
ليس جديداً أيضاً أن تصيب الصواريخ الإسرائيلية أهدافها في سوريا. ليس جديداً كذلك أن تعلن دمشق أنها تصدت وأسقطت وكبدت العدو الخسائر...
الحوادث التي من هذا النوع باتت مألوفة. إنها تتكرر بأسماء وعناوين وتفاصيل أخرى منذ الستينات، وهي ذات «فلسفة» بسيطة؛ استخدام لبنان لمقاومة إسرائيل واستخدام إسرائيل للبنان في ردها على تلك المقاومة.
المدهش في ذلك أمران؛ أن المقاوم، أكان فلسطينياً في الستينات أم لبنانياً - إيرانياً - سورياً بعد ذلك، لا يطمح بتحقيق انتصار، ولا بتحقيق تكافؤ، ولا بمنع عدوان محتمل. إنه يعلم أن هذا ليس في الوارد تبعاً لتوازن قوى عسكري حاسم، الاختلال لمصلحة العدوانية الإسرائيلية. المقاوم هذا قد يقول عكس ذلك، لكن قوله لا يلغي معرفته العميقة بذلك. يكذب ويعرف أنه يكذب.
الأمر الثاني أن المقاوم إياه لا يستوقفه الأذى الذي يُنزله به عدوه، من دون أن يكون هناك أي أفق لمعركته وأي أمل في أي مكسب سياسي يُجنى منها. وإذا كان مفهوماً ألا يعنيه الأذى الذي ينزل بلبنان، فإن الأذى الذي ينزل به، هو نفسه، لا يعنيه أيضاً.
التفسير الذي لا يُراد الإقرار به بسيط؛ إن مجرد خوض حرب، أو مواجهة، من لبنان (أو الأردن أو مصر أو سوريا...) ينم عن ضعف تكويني في فكرة المقاومة؛ القتال من أرض ثالثة. ولكي تصبح الأرض الثالثة صالحة لأن تدر الأرباح ينبغي إنجاز أهداف خرافية؛ أن نغدو كلنا واحداً، لا تُميزُ بيننا الفوارق في الجنسية والدين والطائفة والمذهب والطبقة والحساسية والثقافة، نتفق جميعاً على أننا نريد مقاتلة العدو، وعلى أننا جميعاً مستعدون لتقديم كل التضحيات، الممكنة وغير الممكنة، لهذا الغرض. أي أن يغدو ملايين العرب في البلدان المحيطة بإسرائيل كائنات شعرية.
الواقع الصارم كان بالمرصاد للقصائد؛ انفجرت حربان أهليتان في الأردن ولبنان، ودفعت الأكلافُ الباهظة للحروب كلاً من مصر والأردن إلى الخروج منها. أما منظمة التحرير الفلسطينية فهي أيضاً حسمت، أقله منذ أوائل التسعينات، بأن السياسة ربما كانت أجدى من الحرب في نيل الحقوق.
هذه اللوحة الإجمالية التي تدل إلى واحد من معوقات المقاومة، اخترقها استثناءان نسبيان:
عهد حافظ الأسد: صحيح أنه كان يخوض حرباً مستحيلة بغيره، يتلقى فيها الصفعات والإهانات. لكنه، بعلاقاته العربية والدولية وبجيشه في لبنان وباستغلاله الغيابين المصري (بسبب كامب ديفيد) والعراقي (بسبب الحرب مع إيران)، استطاع أن يقايض ويبيع ويشتري، فكان يحقق، بين الفينة والأخرى، هذا المكسب العابر أو ذاك.
أما إيران فصحيح أن السياسات التي تتبعها، بما فيها خوضها حرباً مستحيلة بغيرها، عادت عليها بالإنهاك والإفقار والإهانات المتتالية وآخرها اغتيال كبير قادتها العسكريين وكبير علمائها. لكن الصحيح أيضاً أنها فرضت نفسها طرفاً إقليمياً ذا أطماع ونفوذ في 4 بلدان عربية على الأقل. إنها اليوم تخوض رهاناً صعباً على أن يعوضها جو بايدن ما انتزعه منها دونالد ترمب.
الكارثة الصافية هي حالة النظام السوري في سنوات بشار؛ حيث يصل انعدام مردود المقاومة إلى الذروة. مجرد البقاء على قيد الحياة هو المطلب الواحد الوحيد. المقاومة والصمود يستدرجانه إلى مواجهات لم تعد تقتصر على لبنان والفلسطينيين، ولا سيما وقد أُخرجت قواته من لبنان. لقد صار هو نفسه معنياً على نحو مباشر لأنه يُضرَب في أرضه، وبالتالي صار مُهاناً على نحو مباشر. في المقابل، ليس قادراً بالمطلق على الاستثمار في شيء أو الاستفادة من شيء أو التعويل على شيء. حمايته تضمنها له روسيا وإيران و«حزب الله»، أما إسرائيل فلا يُستبعَد أن تعلن الجنوب السوري منطقة نفوذ لها.
بلغة أخرى، نحن أمام نظام عديم القدرات، ومن ثم عديم الأهداف. لأجل البقاء المحض يبقى مستعداً للتضحية بكل شيء، من أرض سوريا وكرامتها وشعبها. كل شيء مقابل لا شيء.
في هذه الحالة، لا تشبه سوريا إيران، لكنها أيضاً لا تشبه ذاتها في عهد حافظ الأسد. إنها أقرب ما تكون إلى قطاع غزة في ظل «حماس»: استدراج العدوانية الإسرائيلية، والباقي على الله. ونظامٌ يستعمر أرضه، ويهجر شعبه، هو وحده الذي يضحي بهما على هذا النحو في سبيل بقائه.
لقد طالب دائماً بعض اللبنانيين بتجنيب لبنان هذه المقاومة حرصاً على بلدهم. الحرص على سوريا صار اليوم سبباً آخر لهذه المطالبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النظام السوري في «فلسفته» للمقاومة النظام السوري في «فلسفته» للمقاومة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates