«مارونيَّة سياسيَّة» و«شيعيَّة سياسيَّة»

«مارونيَّة سياسيَّة» و«شيعيَّة سياسيَّة»

«مارونيَّة سياسيَّة» و«شيعيَّة سياسيَّة»

 صوت الإمارات -

«مارونيَّة سياسيَّة» و«شيعيَّة سياسيَّة»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

«المارونيّة السياسيّة» و«الشيعيّة السياسيّة» تعبيران يفتقران إلى الدقَّة. هما لا يقولان أيَّ موارنة وأيَّ شيعة هم المقصودون، ولا ينبّهان إلى خلافات واختلافات بين موارنة وموارنة، أو بين شيعةٍ وشيعة، كما لا يستوقفهما تغيُّر الأزمنة والشروط الاجتماعيَّة وانعكاس هذا التغيُّر عليهم جميعاً.
مع هذا، ولتسهيل المجادلة فحسب، نستعمل التعبيرين للدَّلالة على الحكم اللبنانيّ «المارونيّ» بين 1943 و1975، وعلى الحكم «الشيعيّ»، بمعنى صناعة القرار الأخير، جزئيّاً منذ اتّفاق الطائف في 1989، وخصوصاً منذ الانسحاب السوريّ في 2005، وبالأخصّ منذ رئاسة ميشال عون في 2016.
فهناك ميلٌ إلى التأريخ للبنان الحديث بهاتين الحقبتين، حقبتي «الحكم المارونيّ» و«الحكم الشيعيّ»، علماً بأنَّ واحدنا كان بالطبع يفضّل تعريف الحقب والأنظمة بتمثيلها الاجتماعيّ وخياراتها الآيديولوجيَّة.
والراهن أنَّ «الحكم الشيعيّ»، من وراء واجهات أهمّها إميل لحُّود وميشال عون، وقع ظلمه الأوّل على الشيعة. فالأخيرون، في الفترة السابقة على صعود «حزب الله»، كانوا الطائفة الأشدَّ ديناميَّةً بسبب علاقتها بالإدارة والتعليم والهجرة، وتالياً بإنتاج الكوادر الحديثة. لهذا كان يمكن التعويل، ولو نظريّاً، على أنْ يكملَ الشيعة المشروع الوطنيَّ اللبنانيَّ بعد أن استُنزفَ الموارنة والمسيحيُّون ولم يعد لديهم الكثير ليعطوه. هذا الاستنزاف كان قد دلَّ إليه اختيارهم سليمان فرنجيَّة، في 1970، لرئاسة الجمهوريَّة، ورزوح إنتاجهم الثقافيّ تحت وطأة الخطابيَّة الرومنطيقيَّة الريفيَّة والنوستالجيَّة.

ولم يكن هذا التعويل في غير مكانه، مصحوباً باحتمال السير على طريق تنتهي بخفض درجة الطائفيَّة والحدّ من مركزيَّة جبل لبنان، لصالح دولة أشدّ حداثة ودمقرطةً في آن.
فالشيعة يومذاك باتت تربطهم بالدولة وإدارتها صلة بالغة المتانة، وكانت كتلتهم الوازنة تحوَّلت من ريفيَّة إلى مدينيَّة. وهم بدوا متفوّقين على الموارنة والسنَّة من جهتين: أقلّ من الموارنة رومنطيقيَّةً وانشداداً إلى المفهوم الريفيّ القديم عن الوطنيَّة، وأقلّ من السنَّة تعرُّضاً للإصابة بالقوميَّة العربيَّة ومترتّباتها. ولئن كان ارتباطهم بالنجف، وبدرجة أقلَّ بقم والسيّدة زينب، يكسر عزلتهم وانطواءهم، فإنَّ اقتصار هذا الارتباط على بُعد ثقافيّ وروحيّ لم يشكّل عنصر إضعاف لوطنيّتهم اللبنانيّة.
وقد عبَّر موسى الصدر في بداياته اللبنانيَّة عن هذه التوجُّهات، وهو ما استمرَّ عليه إلى أنْ صدَّه سليمان فرنجيَّة المقفل عن كلّ إصلاح وتغيير. وإذ قفز الصدر إلى الحضن الأسديّ ومخيَّمات التدريب الفلسطينيَّة، تأسّس المسلسل الانحداريّ الذي توَّجَه لاحقاً «حزب الله» وإيران. هكذا صودر الشيعةُ بوصفهم الطرفَ الذي يستأنف المشروع الوطنيَّ اللبنانيَّ وحُوّل أغلبهم أداة هدم للمشروع إيَّاه. بلغة أخرى: بدل احتمال التواصل والاستمراريّة في تاريخ الجمهوريّة، حلّ واقع الانقطاع الحادّ والراديكاليّ.
وفي مراجعة تاريخيَّة، لا تبدو المساواة بين الطائفيَّتين، لمجرّد كونهما طائفيَّتين، بالشيء المنصف. وهناك أسباب ثلاثة على الأقلّ لمثل هذا التمييز: الأوَّل، وتبعاً لروايتها عن نفسها، أنَّ «المارونيَّة السياسيَّة» ابنة الخوف الذي دفع إلى طلب الحماية، قبل استقلال 1943، وإلى طلب «الضمانات»، أو«الامتيازات»، بعده. أمَّا «الشيعيَّة السياسيَّة» فمن طبيعة هجوميَّة، وهي، وفقاً لروايتها عن نفسها، نتاج فعل مقاوم يصل إلى السياسة بقاطرة البنادق والصواريخ. لكنَّ السبب الثاني قد يكون أهمَّ، وهو أنَّ «المارونيَّة السياسيَّة» نهضت بقيام دولة، ومن خلالها، فيما ازدهرت «الشيعيَّة السياسيَّة» عبر تفكيك الدولة، وإقامة دولة موازية يشكّل السلاح عمودَها الفقريَّ. وأخيراً، كانت «المارونيَّة السياسيَّة» تقلّد الغرب، أو في الحدّ الأدنى تزعم ذلك، فيما تنسج «الشيعيَّة السياسيَّة» على منوال إيران الخمينيَّة.
فـ«الحكم المارونيّ» بالتالي لم يكن مجرَّدَ قبضة عسكريّة، أو أمنيَّة، إذ انطوى تقليديّاً على موقع في بناء المؤسَّسات وفي التعليم والاقتصاد والمال، ما نجم عنه نشوء الطبقة الوسطى الأعرض في الشرق الأوسط. «الحكم الشيعيّ»، في المقابل، بقي مجرَّدَ حكم بالبنادق التي تملي على الآخرين إرادةً لا تحظى بقناعتهم، بل يُجمعون على استشعار مخاطرها. الإدارة والجامعة والحياة السياسيَّة ممَّا بُني في الطور الأوَّل فُكّك في الطور الثاني. البلد كما وضعه الطور الأوَّل على خريطة العالم نزعه الطور الثاني منها.
المزاج الدوليُّ اختلف أيضاً: الطور الأوَّل تساوق مع الحرب الباردة والآيديولوجيَّات الكبرى. لقد شاع، في المجتمع وإن لم يكن في السلطة، خجل بالهويَّات الصغرى لمصلحة وطن ما. الطور الثاني تساوق مع انفجار الهويَّات الصغرى والجهر المتفاخر بها. حينذاك كان المطلوب مدينةً يتباهى بها التاجر والسائح والمصرفيّ، وكذلك المتعلّم والمثقَّف. بعد ذاك صار المطلوب ضاحيةً يسوسها ويمجّدها المسلَّح.
في المقابل، انحطَّت «المارونيَّةُ السياسيَّة» عونيّاً، وهو انحطاط ربَّما باشر المسيحيُّون التخلَّص منه بعد جريمة المرفأ، لكنَّ ما يُخشى هو أن يكون الأوان قد فات على المسيحيّين ومعهم سائر اللبنانيّين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مارونيَّة سياسيَّة» و«شيعيَّة سياسيَّة» «مارونيَّة سياسيَّة» و«شيعيَّة سياسيَّة»



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 19:32 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 11:44 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر

GMT 00:07 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أحدث صيحات حفلات الزفاف في ربيع 2020

GMT 16:16 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات مميزة بالملابس المنقطّة تناسب الحجاب

GMT 19:49 2016 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

أبل تقر بمشكلة في هواتف "آي فون 6 إس"

GMT 21:36 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

الشيخ سعود بن صقر القاسمي يستقبل القنصل الكندي

GMT 18:59 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تشجّع النساء على القيام بالأنشطة الرياضية

GMT 21:47 2020 الخميس ,13 شباط / فبراير

موديلات عباية مخصّرة تفضلها النجمات

GMT 08:04 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"نينتندو" تطلق لعبة "Mario Kart Tour" رسمياً لمنصتي "أندرويد" و"iOS"

GMT 02:24 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

9 أسباب تجعلك تشرب حليب القرفة كل ليلة قبل النوم

GMT 19:53 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أسعار الذهب في لبنان اليوم الثلاثاء 3 سبتمبر 2019
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates