علي العمودي
بالأمس ودعت سنغافورة قائدها المؤسس لي كوان يو، الرجل الذي يعد من جيل العمالقة والحكماء الذين غادروا الدنيا، بعد أن تركوا بصماتهم العظيمة في حياة أوطانهم وشعوبهم. وأصبح أسطورة عصره، ورمزاً للبناء لبلاده.
من يقرأ كتابه «من العالم الثالث إلى الأول»، يتوقف عند تفرد رجل كان سابقاً لعصره. يروي في ذلك الكتاب كيف ذرف الدمع لحظة رفع علم سنغافورة، وإعلان استقلالها عن بريطانيا. من كانوا حوله اعتقدوا أنها دموع الفرح بالاستقلال، بينما كان يبكي حال دولته الوليدة بلا ميزانية لصرف رواتب الموظفين وإدارة متطلبات الحكم.
انطلق يطلب مساعدة الشرق والغرب، بما في ذلك لجوؤه إلى مصر طالباً العون والمدد. إلا أنه كان شديد الثقة بقدرات شعبه، ووظف تنوعه ليصنع من سنغافورة التي كان ينظر إليها كجزيرة من المستنقعات والأوبئة والأمراض إلى أحد أهم مراكز المال والأعمال والاقتصاد على مستوى آسيا والعالم. كما تحولت لواحدة من أهم وأشهر مراكز الاستشفاء والعلاج في آسيا والعالم، وبالذات في الجراحات المتقدمة لأصعب العلل وأفتكها.
أساس البناء كان الإنسان، ليصبح أهم رقم في المعادلة السنغافورية، في بلد نجحت قيادته وفق الأساس الذي وضعه لي كوان يو في جعله صاحب أحد أعلى شعوب العالم دخلاً، وفي بلد لا يملك أي موارد أو ثروات طبيعية.
قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وهو ينعى الراحل: «إن لي كوان يو امتلك روحاً مقاتلة، وعقلاً حكيماً، وشخصية واقعية، واستطاع بإرادة فولاذية تغيير مسيرة شعب كامل».
لي كوان يو، من معدن قادة خلدوا أسماءهم في التاريخ، وحققوا المعجزات لشعوبهم، وصنعوا لأوطأنهم مكانة فريدة. انطلاقاً من رؤية وحكمة، تراهن على قدرات الإنسان، وتنأى بنفسها عن الانقسامات والخلافات، بالتركيز على البناء المعرفي، بعيداً عن مغامرات تشتت الموارد وتبدد الطاقات.
في تجربة سنغافورة ومؤسسها الكثير من المتشابهات مع تجربة الإمارات، عندما وضع لبناتها الأولى القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بوضع الأولوية لتنمية الموارد البشرية. تجارب أرست أسس نموذج يحتذى به في بناء الأوطان والارتقاء بالشعوب.