علي العمودي
كلما أشرت لأحدهم عن التصريحات المتفائلة للدكتور هاشم النعيمي مدير إدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد حول السيطرة على الأسعار استعداداً لهلال شهر رمضان المبارك، وتخفيضات«السلع الرمضانية»، ينظر باستغراب ويبتسم ويصمت، قبل إطلاق سيل الانتقادات لما يجري في الأسواق، محملين الرجل فوق ما يحتمل. جولاته ومتابعته للاتفاقات مع منافذ البيع الكبرى، وضعته أمام فوهة المدفع أو لنقل تحت مجهر الجمهور، بينما المجهر الحقيقي غائب عما يجري.
الشريحة الأكبر من المستهلكين لا تشعر أو تلمس جهود الإدارة لحمايتهم أو على الأقل نتائج تلك التصريحات المهدئة للتخفيف من تغول التجار والموردين، وغلاء الأسعار الذي يحاصرهم من كل اتجاه.
قرب حلول الشهر الكريم، مجرد ذريعة للنفخ في نيران غلاء مستفحل أساساً لأسباب كثيرة وعديدة، أصبحت تهدد وبصورة خطيرة ذوي الدخول المحدودة، وامتدت للمتوسطة ممن يعتقدون أنهم بعيدون عن الخطر، أما قدامى المتقاعدين وأصحاب الدخول المتدنية، فقوائم وكشوفات الجمعيات الخيرية شاهدة على الحال.
دعوات «الاستهلاك الرشيد» التي تطلقها بعض الجهات كوسيلة من وسائل التصدي للغلاء والتخفيف من حدة الازدحام عند منافذ البيع الكبرى والجمعيات تذهب سدى وتتبخر أمام لهيب الأسعار، فليس كل المترددين على تلك المنافذ لديهم هوس وحمى شراء ما يلزم وما لايلزم. وأنما أصبحت المسألة التوفيق بين معادلة متطلبات البيت، وما في «البوك» من «نوط» أو « بطاقات».
أكبر وأهم سبب للغلاء الارتفاع الجنوني للإيجارات الذي يتخذ الكل منه ذريعة لتبرير رفع أسعار بضاعته، فالمواد والبضائع أصبحت اليوم تصل من كل مكان في العالم، وبالتالي أصبح أمام المستهلك بدائل يلحظها في تفاوت الأسعار بحسب بلدان المنشأ. ولكن الإيجارات في صعود مستمر، خاصة مع استغلال بعض الملاك والسماسرة في العاصمة تحرير الأسعار ليطلقوا العنان للقيمة التي يطلبونها. بعض الدوائر لدينا انضمت للموجة وقامت من ناحيتها بزيادة رسوم خدماتها مئة في المئة، وفي مقدمتها «الاقتصادية» لتقدم بدورها فرصة ذهبية إضافية للتجار، متناسين حقيقة أن استفحال الغلاء وتصاعد وتيرته بهذه الصورة الجنونية يفرز أمراضاً اجتماعية لم يكن يعرفها المجتمع من قبل، وعلماء الاقتصاد والاجتماع يدركون التداعيات السلبية لذلك اقتصادياً واجتماعياً، والميدان في انتظار معالجة جذرية بعيداً عن التصريحات الوردية لـ«حماية المستهلك» !!.