أوضاع المعلمين
يحلو للكثيرين ترديد مقولة شهيرة منقولة عن مؤسس سنغافورة الراحل لي كوان يو، والتي قال فيها «أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، وأنما قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في البلاد، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه في الشوارع».
ونحن نضيف بأنه تحول إلى شعب يحظى بأعلى معدل دخل في آسيا، في بلد صغير لا يملك آية موارد. بل كان قبل خمسين عاماً مجرد جزيرة من الأوحال والسبخات والأمراض المستوطنة، لدرجة أن الجندي البريطاني الذي كان ينقل إليها إبان احتلال بلاده لها، كان يكتب وصيته لأهله جراء الأمراض الفتاكة فيها.
وخلف هذا الإنجاز الذي تحقق، كانت مساهمة التعليم النوعي والمعلم النوعي، هذا المعلم الذي نتباكى على أحواله وما آلت إليه. وتتجدد المناحة كلما خرج علينا تقرير أو رقم صادم، كتلك الإحصائية التي تتحدث عن استقالة أكثر من 712 مواطناً خلال عامين.
في كل مرة يتولى حقيبة التربية والتعليم وزير جديد، نسمع أنه يضع في أولى أولوياته تحسين وتعديل أوضاع المعلم، ومع مرور الزمن به في الوزارة، يغوص الملف في الأدراج. يحدثوننا عن التجربة السنغافورية والفنلندية في التعليم، ولكن يتجاهلون الحديث عن الجوانب الخاصة بهما والمتعلقة بالمعلم. وقبل فترة، غرد معالي حسين الحمادي وزير التربية والتعليم قائلاً: أنا اليوم استطيع القول إن الإمارات تعمل لتطوير أفضل نظام تعليمي في العالم. ونحن مع معاليه في هذا الطموح الذي يواكب تطلعات القيادة ورؤية الإمارات 2021، على طريق اقتصاد المعرفة، ولكن من دون أن ننسى أهم عنصر في العملية برمتها، وهو المعلم.
وقد سمعنا أكثر من مرة عن إجراءات للوزارة لجعل الميدان التربوي والتعليمي بيئة جاذبة للعمل، واستقطاب المزيد من الكوادر المواطنة، إلا أن الحال ظل كما هو عليه. فالمسألة ليست بكادر مالي، وهيكل للدرجات، والرواتب، قدر ما يحتاج كذلك إلى الاستماع لأصوات أهل الميدان فيما يتعلق بالأعباء التي أصبح يتحملها المعلم بصورة تجعل الاستقالة هي أسرع الحلول أمامه. نتمنى أن نسمع قريباً ما يجعلنا أكثر تفاؤلاً باستقطاب المزيد من الخريجين في هذه المهنة السامية ورسالتها الرفيعة.