بقلم - علي العمودي
من واقع ما يجري في أسواقنا، لما تقوم به الشركات الموزعة للمنتجات الإلكترونية والأدوات والمعدات الكهربائية على وجه التحديد، تلمس كيف نجحت في جعل المستهلك يستسلم لتوجهاتها ومراميها في نشر ثقافة الاستهلاك بصورة غير مسبوقة ينفرد بها مجتمعنا.
عندما تذهب لأي جناح من أجنحة بيع تلك المنتجات في محال التجرئة الكبرى يقبل عليك أصحاب الابتسامات الصفراء من مندوبي المبيعات، يهشون ويبشون لإقناعك بشراء هذا الجهاز أو ذاك، ولكن عند ظهور أي عطل يعتريه، ولو كان بسيطاً، تختفي تلك الابتسامات لتظهر مكانها تكشيرة فني الصيانة الذي يقنعك بأن تكلفة التصليح تناهز قيمة جهاز جديد، والأفضل لك أن تقبل على الجديد ومواصفاته وإمكانياته الأحدث، وتودع القديم الذي لم تطل أيامه في دارك أو مكتبك.
فنيو الصيانة التابعون للشركات الكبيرة أصبحت أتعاب زيارتهم تقارب قيمة الكشف في عيادة طبيب استشاري، فرسم زيارة الواحد من هؤلاء الفنيين لا تقل عن مائة وخمسين درهماً، لمجرد الاطلاع على حال الجهاز المعطوب وإسداء النصيحة الثمينة باستبداله بآخر جديد، دون إضاعة الوقت أو مطاردة الأمل المعقود على استعادة الأداء المفقود.
في أقسام الصيانة التابعة لما تسمى بالوكالات تسمع قصصاً وحكايات غريبة، وتشهد حالات يروي أصحابها اضطرارهم للتخلص من جهاز لم تمض عليه سوى أشهر قليلة، لكنه تعطل، وأن خدمة ما بعد البيع ليست سوى نكتة كبيرة، وورقة «الضمان» باب أكبر للتملص من الالتزامات المفترض أن تنظمها بين البائع والمشتري تلك الورقة الصغيرة.
حتى شركات إنتاج الكمبيوتر والبرمجيات تغرف ذهباً من منجم «التحديثات»، وتخيل أن بعض الأجهزة التي تتوقف عن العمل تجد مهندس الصيانة المسؤول عنها يرد على صاحبها بكل بساطة بأن نظام تشغيلها قد توقف إنتاجه، وعليك بشراء برنامج جديد.
أفرز هذا الواقع كذلك ازدهار أعمال «أكشاك» الصيانة و«مهندسيها» الجائلين، ممن نالوا العلم والخبرة من تجاربهم على ممتلكات الناس.
باختصار، ومن واقع الميدان لا توجد خدمة لما بعد البيع إلا فيما ندر، والمسؤولية تقع على إدارات حماية المستهلك في دوائرنا، والتي تركته وحيداً في مواجهة شركات تتفنن في استغفاله قبل استغلاله بأساليب ملتوية وبنود مكتوبة بحروف صغيرة، حول ما يشمله «الضمان» وما لا يشمله، وما على المستهلك إلا أن يكون أكثر وعياً وحرصاً في مواجهة «ثعالب المبيعات».