بقلم :علي العمودي
تحرص الأسر في الإمارات، وكذلك العديد من المؤسسات الرسمية في الدولة على إحياء «حق الليلة» الذي يصادف منتصف شهر شعبان، وهي العادة الجميلة التي يحرص عليها الجميع ليس في الدولة، وإنما في سائر بلدان مجلس التعاون الخليجي، ابتهاجاً بقرب حلول أعظم شهور العام، شهر رمضان المبارك.
في تلك الأزمنة البسيطة الغابرة كان الأطفال يجوبون بيوت «الفرجان» من فترة العصر وحتى المغرب حاملين أكياسهم «الخرايط» يجمعون فيها ما يوزع عليهم من حلوى، وهم يرددون الأهازيج الجميلة قبل أن يتجمعوا في ختام المناسبة للاستمتاع بما تجمع لديهم من حلويات وعصائر بدائية ملونة يقدمها الأهالي المبتهجون لفرحة صغارهم، وهم -أي الأهالي- يحرصون مع المناسبة على صيام الأيام البيض.
طقوس جميلة لموروث جميل زاهٍ يعبر عن قيم رائعة المعاني يحرص على التمسك بها مجتمع الإمارات، دليل اعتزازه بعاداته وتقاليده وموروثه الغني الذي تغير مع مرور الأيام والسنين، وتطور الحياة العصرية، ليتحول إلى احتفالية تتركز في المدارس وأندية التراث وبعض الدوائر والمؤسسات. ومهما كان التغير في الاحتفال شكلاً أو مضموناً إلا أن الحرص عليه يمثل بحد ذاته إصراراً على التمسك بعادة اجتماعية جميلة، تقدم ملمحاً من ملامح ثراء وتنوع الموروث الشعبي الإماراتي. وكذلك التمسك بشيء من عراقة التقاليد الضاربة الجذور لمجتمع أصيل لا تنال منه رياح العصر على اختلاف اتجاهاتها، رغم تراجع اهتمامات جيل «الآيباد» بها واجتياح وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع كل احتفال بـ«حق الليلة» أو «القرقيعان» كما يسمى في مجتمعات خليجية أخرى، تظهر أصوات غريبة تستوطن النشاز وتنطلق منه، تحاول جرنا لمتاهاتها الغارقة في الغلو والتطرف بتصويرها الاحتفالية بعيداً عن معانيها وسياقها الجميل. أصوات تعاني منها مجتمعات يحاول فيها دعاة الضلالة والفتن تصدر المشهد، وتجاوز أصوات العقل والفكر، وما جاء به ديننا الحنيف وقيم الوسطية والاعتدال فيه.
أستعيد هنا ما أكده من قبل المركز الرسمي للإفتاء التابع للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بأن الاحتفال بالمناسبة «مباح ولا حرج فيه»، وهو عادة اجتماعية متوارثة من الأجداد، تهدف إدخال السرور إلى قلوب الأطفال.
و«عطونا الله يعطيكم وبيت مكة يوديكم»، ويبعد عنا وعنكم كل نشاز يحاول إفساد فرحتنا وفرحة صغارنا بـ«حق الليلة»، ويبلغنا جميعاً شهر الصيام والقيام، ويقدرنا على طاعاته.