بقلم - عائشة سلطان
حين كنا نقرأ أو يقال لنا تلك المسلمات الكبيرة حول معادن الناس الذين علينا أن نتعامل معهم بقانون الحذر لبعض الوقت، فنعرف قليلاً عن أغوارهم قبل الوثوق بالظاهر ورفع سقف التوقعات منهم، كنا نبتسم أحياناً ولا نبالي أحياناً وأحياناً كنا لا نصدق ما كان الكبار ينصحوننا به أو ما كنا نقرؤه في الأدبيات التي تحكي عن تجارب أصحابها، لقد كنا نعتد كثيراً بآرائنا لا أكثر!
هكذا نؤسس معمار تجاربنا في الحياة، فهذا المزيج من الانتكاسات والصدمات وأمان العلاقات ومخاطرها والفشل والإنجازات لا يتوفر لنا بسهولة أو في لمح البصر، أو بمجرد أن نضع مقعداً خشبياً في أول طريق يصادفنا ونراقب الحياة ونحن مسترخون عليه ببلادة!
تخبرك التجارب التي صارت خلفك الآن أن الإنسان الحقيقي لا تعرفه عن بعد، ولا تدلك عليه ابتساماته وطراز ملابسه الفخمة، وأحياناً لا تظهر لك حقيقته حتى برغم تلك السنوات الطويلة التي مشى فيها إلى جانبك، فبدون أن تختبر حقيقته في المواقف، أنانيته وكرم نفسه، خوفه عليك وحرصه، إحساسه بغيره وصدقه، دون أن تتيقن من ذلك كله ولو بدرجة ما تكون الثقة المطلقة تسرعاً مجانياً محسوماً!
قد تمضى نصف سنوات عمرك لا تعرف فيها عن صديقك أو زميل عملك شيئاً أكثر من كونه إنساناً طيباً، لا يؤذي أحداً، ولا يتأخر عن عمله ولا يستدين من أي شخص، وتلك سمات تخصه في الحقيقة ولا تخص أحداً سواه، لا تقدم للأصدقاء ولا تؤخر، إنه كذلك لأنه لا يريد أن يدفع كلفة علاقات عميقة مع أحد ربما، لكنه ليس الشخص الذي إذا وقعت سيسارع إليك ليضمد كسرك أو سيأخذ بيدك لتعبر للضفة الأخرى.
في الحقيقة نحن نعيش زمناً طويلاً في ظل وهم العلاقات والصداقات أحياناً، وحين نستفيق تكون الأوهام قد التهمت (في غفلة منا) زمناً حلواً من أعمارنا!