عائشة سلطان
يحدث أن يقرر أحدنا أمراً في لحظة قوة ربما، وقد يقرر في لحظة ضعف أو غضب، في النهاية فإن هذا (الأحدنا) يشعر بأن ضوء نيزك قد انفجر في دماغه، أو أن نجمين هائلين قد ارتطما بجدران رأسه بشكل مباغت، فيقرر أن يخرج من تردده، ومن قشرته الرقيقة القابلة للتكسر، لنقل إنه برر أن ينكسر بإرادته بدل أن ينكسر بقوة الخارج!
كلنا نحتاج في لحظات بعينها أن نكون هذا (الأحدنا) وأن نمتلك قوة وجرأة وعبقرية اتخاذ القرار، بشرط احتمال النتائج أو على الأقل بشرط امتلاك صلابة عدم النظر لما خلفنا أو لما وراء كتفنا، لذلك نتمنى جميعنا في لحظة أن نكون نحن لا غيرنا ذلك المارد الذي يخرج منا بطريقة غرائبية، ما يجعلنا نتحول إلى كائن مختلف غير هذا الذي نحن عليه الآن! إن ذلك لا يحدث إلا في أفلام السينما، حين يكون الأمر شبيهاً بخروج الرجل الأخضر العملاق من جسد رجل عادي، أو الرجل العنكبوت أو الرجل الخارق من جسد رجال غاية في الضعف والهشاشة! ألا نلاحظ هذا الإعجاب الغريب بهؤلاء الخارقين، إنه عشق القوة واشتهاء امتلاك القرار!
من هنا يقال إن قوة القرار هي واحدة من القوى الهائلة التي لا يعرف الإنسان حجم التغيير الذي يتولد عنها، إنها لا تقل عن قوة قنبلة ذرية نسبة لحجم ما تخلفه وراءها، ولتعرف حجم التغيير الذي يحدثه قرار صائب، ما عليك سوى أن تفكر إن كان بإمكانك فعلاً إعادة الأمور إلى نصابها أو إعادة عجلة الزمن إلى ما قبل تنفيذ القرار؟
لا شيء يمكنه أن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً إذا قرر أحدهم: فرداً، أو جماعة، مجتمعاً أو دولة أن يتغير أو يغادر أو يغلق صفحة أو باباً باتجاه مختلف عما كان عليه مسبقاً. إن لحظة اتخاذ القرار بحد ذاتها تشبه عملية هدم كاملة وإعادة بناء خارقة داخل العقل والقلب وداخل المكان والزمان، إنها تصويب دقيق ومبرمج لخلل فادح، وهي تشبه تماماً توجيه مدفع رشاش باتجاه الذاكرة والواقع لمحو كل شيء!
هنا تكمن صلابة وخطورة القرار، فأنت حين اتخذت القرار لم تكن في منطقة البلادة النفسية، ولا كنت تراوح بين النية والتردد، ولا كنت متأرجحاً بين حبال الواقع الجميل وخطورة تلك القفزة الهائلة بالهواء، بل على العكس: إنك في منطقة اليقين بأن النجمين الهائلين قد ارتطما فعلاً في دماغك، وأنك رأيت الضوء وسمعت دوي الانفجار، فاتخذت قرارك في تلك اللحظة مستغلاً حالة الفوضى الكونية التي ستبتلع ضجيجك كاملاً وتنقلك بعيداً عنه!