بقلم - عائشة سلطان
مواطنو بلدان الهجرة والقهر الفاقع لا تجمعهم سوى الغربة والرسائل، ولأنه لا عناوين بعد أن دمرت الحروب المدن والأحياء والأزقة والقرى، فإن الرسائل تأخذ مسارات غريبة على أمل أن يتمكن ساعي بريد ما ذات يوم من إيصال الرسائل إلى أصحابها، وإن بدا ذلك أملاً بعيد التحقق.. لماذا؟ لأن بلدان الشك لا تمنحك يقين النجاة: أنت إلى التشرد والتهجير، ورسائلك إلى الليل والضياع.
في النهاية لا شيء يصل، لا المهاجر يعود، ولا الأوطان ترجع، ولا الرسائل تجد عناوينها، ولا ساعي البريد يعثر على بصمات أقدام سعاة آخرين سبقوه، لذلك يموت على قهر، كما كل شيء في هذه البلدان المستعرة بالخيبات!
وضعت هدى بركات في «بريد الليل» بضع رسائل كتبتها بلغة شديدة الحساسية، لتعبر عن حالات وجدانية لنساء ورجال طوحت بهم الأيام في المنافي، يكتبون رسائلهم ليعترفوا بكل ما يمزقهم من شوق وحنين ويأس وغضب وندم وتمرد؛ علّهم يصيرون بعد هذه الاعترافات شخوصاً وديعة في شوارع الغربة!
وبعيداً عن شجن الرسائل، فلا وجود لرواية بالشكل التقليدي المتعارف عليه، فالقارئ لا يجد شخوصاً بأسمائهم سوى كتاب رسائل مجهولين، كما لن يعثر على أحداث تتصاعد وتتعقد في نقطة معينة، لا زمن ولا مكان للرواية سوى الهواجس والفضاءات العامة لبلدان المهجر، يمكن اعتبار ساعي البريد الذي لا طريق يسلكه، بطلاً تكتب الحروب نهايته، كما أن الرسائل بطل آخر يحرك الحكايات ويمنحها موسيقى جنائزية واضحة!
نحن مع هدى بركات أمام أشخاص مجهولين يكتبون رسائل لن تصل لمن أرسلت إليهم، رسائل لن تقرأها الأم أو الأب أو الأخ أو الحبيب، ولكن سيقرأها الكتاب الغرباء أنفسهم، إنها المراوحة في ليل بلا نهاية!
بريد الليل، تفكيك لنص مغلق على القهر والدمار عنوانه «الشرق الأوسط المأزوم».
إنها محاولة لعبور الليل بضوء الكلمات.. علَّ قبساً منها يضيء الطريق لتبلغ الغربة نهايتها!