بقلم - عائشة سلطان
قالت صديقتي الشاعرة المصرية المدعوة لمؤتمر شعري في السويد إن مدينة ستوكهولم أعجبتها كثيراً، لكن أهلها طوال الوقت يطالبونهم بأن يخفضوا صوتهم حين يتحدثون، لكنهم، ككل العرب والشرقيين، لا يستطيعون أن يتحدثوا إلا هكذا، بصوت مرتفع، وضحكات عالية، يمزحون مع بعضهم في الطريق العام، ويحركون أيديهم في كل الاتجاهات أثناء الحديث، ولا يجدون في ذلك أي خروج عن المألوف، لأنهم اعتادوا في معظمهم على أن يعيشوا الحياة تحت قوة الضغط والتوتر العالي، ما يدفعهم إلى التعبير عن ذلك برفع الصوت احتيالاً على الواقع!
مع ذلك، فصديقتي تقول إنه بالرغم من أن المدينة جميلة جداً وهادئة، وللشعراء هناك أصوات جميلة وبديعة، فإنها ترى مصر أجمل بكثير، وإنه بإمكانها أن تبقى هناك بضعة أيام لا أكثر، لكنها لا تستطيع أن تبقى كثيراً، هناك كل شيء هادئ، مرتب، جميل، لكن لا صوت حقيقياً للمدينة كما يفهمه ابن المدينة العربية الضاربة جذوره في الحياة بكل تناقضاتها، وصورها، وتدفقها المستمر !
وبلا مبالغة أو مزايدة، وقد زرت مدناً في أوروبا لا تضاهيها في الجمال مدن في أي مكان، إلا أنني وجدت في القاهرة وطنجة وبيروت وأصيلة والإسكندرية جمالاً وحياة من نوع لا يراه سوانا، نحن أبناء الجغرافيا العربية، المسكونين بالتاريخ، والساكنين في قلب هذه المدن التي تبدو كأنها على حافة الانهيارات، جمال يحتاج لكي يُرى إلى علاقة حب لا إلى وثيقة تأمين أو عقد إيجار أو جواز سفر!
لدي قناعة حقيقية بأن كل مصر جميلة، بالرغم من أمور عديدة قد تزعجك وأنت تمارس أمورك الحياتية اليومية فيها، ذلك الجمال الإنساني العميق، البسيط، الحزين، المزعج، والموتّر أحياناً، والمثير للأعصاب أحياناً أخرى، لكنه الجمال المتآلف مع تناقضاته الإنسانية، الذي يعترف بعيوبه حتى إن لم يقدر على حلها أو إلغائها، صحيح أنه ليس براقاً ولامعاً ومرتباً، لكنه حقيقي جداً، وحارّ ومتدفق ومستمر، وليس فارغاً أو تافهاً أبداً.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد