بقلم - عائشة سلطان
ما زالت مجتمعاتنا العربية حتى اليوم تخلط بين حرية الرأي والفوضى، بين الحقوق المبتغاة، والالتزامات والواجبات التي لا يجوز المساس بها، وحتى بعد مرور سنوات على طرح مثل هذه المفاهيم، ما زال هناك شباب متعلمون ومثقفون أيضاً يستغربون حين يجدونك لا توافق على طرح وتداول بعض القضايا الحساسة، معتبرين أنك ضد حرية الرأي، مع أنه من المنطق أن نفهم جميعاً أنه لا شيء مطلق في هذه الحياة، لا حرية مطلقة، ولا حقيقة مطلقة، فقد يكون في حريتك المطلقة ما يسبب الفوضى والدمار للآخرين!
ألا تتساءلون: لماذا تعقد بعض المراكز البحثية ندوات مغلقة لأهل الاختصاص فقط لا يسمح بتصويرها أو نقلها إعلامياً؟ لأن هناك اعتبارات يجب أن تراعى، وحساسيات يجب ألا تمس أو توضع لتداول العامة وغير المختصين أو المندفعين، والعاطفيين والذين لا يعرفون دقائق الأمور، ولا يزنونها كما يجب، ولأن لكل أمر أهله، ولكل علم مختصيه الذين يعرفون حدوده وتفاصيله، لذلك لا تترك الأمور للتداول العشوائي بين الناس كي لا يتحول العلم إلى جدال لا طائل من ورائه!
قلت لذلك الشاب الذي سألني لماذا لا نترك الجميع يقول ما يريد تحت حماية حق التعبير عن الرأي: هل يمكننا أن نضع النظرية النسبية لأينشتاين أمام الجميع ليقولوا رأيهم فيها؟ أجاب بالنفي، لأن عامة الناس لا تفهم في علم النسبية، وبالتالي سيتحول العلم إلى شكل من أشكال العبث والسخرية، وهنا فإننا نسقط هيبة العلم تحت شعار حرية الرأي، وقد قيل منذ زمن طويل (أيتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك)!
حرية الرأي مبدأ أصيل وعظيم، ولكن ليس في كل الأمور، أنت لك حق أن تقول رأيك فيما تفهم وتعرف، وفيما ينفعك ويضرك، وفيما يؤكد حقوقك بشرط ألا تعتدي على حقوق وثوابت واعتبارات متفق عليها، علينا أن ننتبه، فبعض الظروف والأوقات تحتاج إلى يقظة وحرص، لذا علينا أن نفكر كثيراً في الصالح العام ولا نرفع حرية الرأي كشعار أجوف، فالفتن تصول وتجول في طرقات العالم!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة البيان