بقلم - عائشة سلطان
قبل ساعتين ونصف من وقوع حادث التفجير الإرهابي الذي ارتُكب في منطقة الحسين في إحدى أكثر مناطق القاهرة ازدحاماً، كنت وأصدقائي نجلس بهدوء في قلعة السلطان الغوري في الغورية على بعد خطوات من المكان الذي سيشهد التفجير، نتابع عرضاً فنياً لفرقة التنورة، بينما في الخارج آلاف من البشر يعبرون فضاء منطقة القاهرة التاريخية بطمأنينة ومحبة، يجلسون إلى مقاهي الحسين، ويتسللون ضاحكين من شارع المعز، يغادرون بيوت الشعر والأدب والفن، ويتبضعون من محلات التذكارات المنتشرة هناك!
بعد ساعتين انتهى العرض، غادرنا القاعة ودخلنا وسط الحشود، ومشينا عبر الأزقة إلى أحد المطاعم، جلسنا بمرح صاخب، وبدأنا إملاء الطلبات على النادل، في لحظة خاطفة خُيّل لي أنني سمعت دوي انفجار، تمالكت نفسي بينما ضجّ صوت في داخلي بأنه «انفجار إرهابي»، ولم يعلّق أحد ممن كانوا معي، بعدها بدقائق دوّت صافرات الإنذار، فقلت بصوت مسموع إنها سيارات الإسعاف، فسارعت صديقتي قائلة: «وربما تكون سيارات إطفاء» كنت على يقين أنها ليست سيارات إطفاء!
بعد ساعة خرجنا من المطعم، لنكتشف أن المكان مقلوب رأساً على عقب، وأننا في الوقت الذي كنا نتابع فيه عرض التنورة، كان رجال الأمن المصريون يطاردون إرهابياً قادماً من منطقة الدرب الأحمر، ضاق عليه الخناق فاندس في أحد أزقة الحسين، وعبر الشارع ذاته الذي عبرناه، وهناك فجّر نفسه!
لمدة ثلاث ساعات، كان هناك إرهابي قد ضبط حركته مع حركة الموت، بينما الجميع يتحركون باتجاه الحياة، شاب تم غسل دماغه تماماً فامتلأ بإيمان غبي قوامه أن رحلته إلى الجنة لن تستغرق سوى لحظة تفجير مدمرة، ثلاث ساعات كنت خلالها أعبر بجوار قاتل، وبجوار الموت كان آلاف غيري يعبرون مطمئنين ومسالمين، آلاف من النساء والأطفال والشباب يقرر قاتل إنهاء حياتهم في غمضة عين بلا سبب وبلا منطق، وحده الإرهاب كان سيد الموقف! ووحده منطق الحياة من أنقذ الجميع.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة البيان