عائشة سلطان
اليوم عيد، عندما كنا صغاراً كانوا يسمونه عيد الحج، أو العيد الكبير، وهو عيد أضحى وتضحية واستحضار للعبر والدروس وتاريخ ممتد من التضحيات، عبرته البشرية كلها مقتفية آثار رسلها وأنبيائها وفلاسفتها وحكامها، تلك القافلة النورانية التي أسست لمجد القيم والفضيلة في قلوب الناس، نحن نقتفي آثار أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام في رحلته الخالدة، حيث ترك ابنه وزوجته ويمم بعيداً، تاركاً الصغير وأمه في رعاية الله، وأذّن إبراهيم داعياً الناس إلى الحج استجابة للأمر: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)..
صارت بلاداً، ثم بلداناً، عُمّرت وكبرت، وازدهرت، وصار للحج مؤسسات وقوانين، ووزارات ومسؤولون، وظلت المملكة العربية السعودية ترعى هذا الموسم حق رعايته، وترعى ضيوف الرحمن كما يجب، وتقوم بكل واجبات الحفظ والمحافظة على كل المناطق والأماكن والشعائر المقدسة، مع ذلك فإن الأمر لم يسلم، على امتداد التاريخ الإسلامي، من الفتن والدعوات الباطلة، الجميع حاول، القرامطة واليهود والمتطرفون والمجانين وغيرهم، كلهم حاولوا استباحة الأماكن المقدسة وإثارة الفتن فيها وحولها، وفي الوقت الراهن حدثت أكثر من محاولة للنيل من أمان الحرمين، لكنْ للبيت رب يحميه دائماً، وكل نار يشعلها أهل الفتن يطفئها الله بإرادته!
محاولات تسيس الحج ورفع الصوت عالياً بتدويل الحج وإدارته، هذه المحاولة اللئيمة التي لا تهدف إلا إلى تمكين إيران من المشاعر المقدسة، لن يكون مصيرها إلا الفشل، وحتى حين نزع القرامطة ذات يوم الحجر الأسود من مكانه، فإن الحج لم يقم عليه إلا من هو أهل له، وإيران ومن يقف معها ويعلي دعوتها ليسوا أهلاً لهذا الأمر الجلل، بكل عنصريتهم وتوظيفهم الديني المنحرف للرموز والنصوص الدينية، الحج عرفة، والحج ركن عظيم ومقدس، وإن العبث به عبث بعقيدة ملايين المسلمين!
سيحج الناس كل عام وإلى ما شاء الله لهم، إلى هذه الرحاب الطاهرة الآمنة، وكل محاولات السياسة البغيضة ستذهب أدراج الرياح!
تقبّل الله حجكم، وجميع طاعاتكم، وكل عيد وأنتم أكثر أماناً وسلاماً، هذا ما يجب أن يسعى له من يدعي نصرة الإسلام والوقوف إلى جانب الحق والعدالة، لا أن يثير الفتن والفوضى والدمار تحت شعار تدويل الحج!