بقلم : عائشة سلطان
لفتني وأعجبني ذلك الأديب والمثقف المعروف الذي حينما تحدث إليه أحد الصحفيين واصفاً إياه بالأديب الكبير وصاحب القامة العظيمة وغيرها من توصيفات التعظيم والتفخيم، أوقفه مبتسماً بسخرية دون أن يمنحه مزيداً من الوقت ليطيل، ثم قال له هون عليك، فأنا لست أديباً كبيراً ولا عظيماً، أنا شخص يعلم تماماً حدود مكانته، لست عالمياً فالعالمية والشهرة ذهبتا لماركيز ونجيب محفوظ ورفاقهما، لست سوى كاتب على مستوى بلده، أحاول أن أبذل جهداً قدر وسعي واجتهادي لخدمة الثقافة والمعرفة!
يمكننا أن نقرأ هذا الموقف من زاويتين: الأولى من زاوية بعض الإعلاميين الذين عودوا أنفسهم على ممارسة نوع من الخطاب اللاواعي بل والمزيف في التعاطي مع الحقائق الموجودة على أرض الواقع، فإما أنهم يضخمونها أكثر مما يجب، وإما أن يتجاهلوها تماماً، يحدث ذلك عادة إما لجهل يميز هؤلاء، أو لخوف يسكنهم خشية فقدان وظائفهم إن لم يداهنوا وينافقوا، أو لأن هناك أهدافاً خاصة يعتقدون أنهم سيحصلون عليها بهذه الطريقة!
أما الزاوية الأخرى فهي زاوية الظاهرة المعنية أو صاحب المنصب أو المسؤول مباشرة بالخطاب، فإذا كان الطرف الأول مضللاً، فلأن هناك من دفعه أو شجعه على ذلك، لأنه رأى أن بعض الأشخاص يعانون في مستويات مختلفة من تضخم الذات، والاعتقاد بالأهمية القصوى التي يترتب عليها ضرورة تفخيمهم وإشباع غرورهم، حتى ظهر أثر ذلك جلياً على العمل الصحفي أو الإعلامي الذي حين يغرق في الذاتية والشخصنة والأهواء يتحول إلى ما يشبه إعلانات مساحيق الغسيل ومساحيق التجميل، فلا شيء يبدو حقيقياً أو موضوعياً أو محايداً، والنتيجة الحتمية لذلك ضعف المستوى وغياب التقييم الصحيح وسيادة خطاب تزييف الوعي!
نحتاج كثيراً إلى تعزيز ثقة الصحفيين بأنفسهم، وترك هامش جيد أو مسافة ثابتة تضبط إيقاع العلاقة والتأثير بين الإعلامي وموضوعاته، وفي هذه المسافة من المفيد التخلص من لغة المبالغات الهشة، واستخدام لغة متماسكة وذات دلالات سيميائية محددة، إن هذه اللغة تنمي الحس النقدي للإعلامي والقراء معاً، وتوسع دائرة اهتماماتهما، بصورة تجعلهما ينظران معاً إلى الظواهر كلها بعمق، محاذرين الأحكام العامة والمجانية والسطحية!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان