بقلم : عائشة سلطان
كشخص عالق في غيابة الجب، واقع منذ أزمنة بعيدة في بئر عميقة، يتسلقها ليخرج، وكلما قارب نقطة الخروج عاد وسقط ليعاود تسلُّق البئر، هذه الحال البائسة لهذا الشخص تشبه طريقة العالم العربي في تعامله مع حرية التعبير وتداول الأفكار بحرية ونشر الكتب بانفتاح!
بلا شك، إن الحديث عن فتح النوافذ لتعبر الأفكار بحرية وليعبّر الإنسان والأجيال كافة عن رؤاهم ونظرتهم إلى الحياة لا يدل إلا على حرص شديد على قيم الانفتاح والتنمية والتنافسية، لأنك ما لم تمنح الإنسان الحرية اللازمة فإنه سيظل مقيداً وناقصاً، ولن يقدّم جديداً لينافس أو يضيف، إن الإنسان الناقص الحرية كالإنسان الناقص الأهلية تماماً، إنسان يفتقد العنصر الأساسي في الإبداع، فكيف لناقص أن يعطي عملاً كاملاً أو إبداعاً من أي نوع؟ كيف لعازف أن ينتج لحناً بآلة معطوبة؟
إن النقص هو الآفة البشرية التي لطالما سعى الإنسان في كل تاريخه للخلاص منها والقفز على عيوبها، لذلك سعى للخلود والحقوق الكاملة والحرية والمثُل العليا و.. و.. و.. وهنا فالحديث لا يخص حريات الفوضى والخراب والابتذال، ولكن يخص حرية تداول الأفكار والكتب الحقيقية التي أنتجها الإنسان ولا يزال مصرّاً على إنتاجها، على الرغم من أصوات المنع والإقصاء والتغييب، لأنها الدليل الوحيد الذي يعبّر عن استحقاقه لإنسانيته، وعن عمق تجربته وأصالة وجوده واحترام حقوقه.
مع ذلك، فإن أكثر ما يتم التصادم والجدل حوله هو: حرية التعبير وتداول الأفكار المختلفة ونشر الكتب، ففي أوطاننا العربية الكثيرة، يخاف الناس من الفكرة المغايرة ومن الكتاب الذي يطرح رؤى جديدة تأخذ الناس إلى ساحات مفتوحة يفكرون فيها بطريقة مختلفة، إنهم يخافون على مصالحهم وعلاقاتهم إذا تزعزعت تلك الأفكار التي ظلت راكدة آلاف السنين، لذلك فلا غرابة إذا اتحدوا لمنع ديوان شعر أو رواية أو فيلم أو حتى كتاب فلسفي.
إن ما تقوم به الرقابة اليوم في الكثير من الدول العربية حين تمنع كتاباً لغارسيا ماركيز ورضوى عاشور وسعود السنعوسي وبثينة العيسى وغسان كنفاني وجبران وكازانتازاكي وغيرهم من كبار الكتّاب تحت الذريعة الأزلية: حماية الناس والمجتمع من الضلال وسوء المآل، ليس سوى التجسيد الحقيقي لسوء المآل، ففي هذا الزمن ليس هناك ما هو أسوأ مآلاً وغباءً من أن يمنع الرقيب العربي أفكاراً وكتباً من التداول تحت السماوات العربية نفسها التي أباحت بفضل ثورة التقنية أن يحصل المواطن فيها على كل الكتب وفي أي وقت وبأكثر السبل سلاسة، فأي رسالة مشوّهة نرسلها إلى العالم ونضمّها إلى سجل الإنسانية حين نفعل ذلك؟
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان