بقلم : عائشة سلطان
في روايتها المذهلة «عشر نساء» صنعت الكاتبة التشيلية الشهيرة مارثيلا سيرانو حبكة بديعة لعشر روايات في رواية واحدة، بديعة خاطفة للانتباه دافعة قارئها للقراءة ولمزيد من القراءة، إنك لا تقرأ حكاية مسلية قادمة إليك من حارات ومدن أميركا الجنوبية شديدة العوز والفقر والصخب، بينما أنت تضع قدماً على قدم في غرفة نظيفة مبردة الهواء ومرتبة بشكل كامل، هي ليست رواية لقضاء وقت جميل تقول عند قراءتها لأقتل بها بلادة هذا الوقت الممل الخالي من المتعة، في الحقيقة فإن «عشر نساء» هي رواية النساء لكل النساء وللرجال أولاً، تحكي عن حيوات عشر نساء (تسع مريضات والعاشرة هي المعالجة)، جئن ليقلن مشاكلهن لمعالجة نفسية، فعبرن عن عشرة أمزجة، وعشر ثقافات وعشر مآسٍ وقصص حب وتضحية تتشابك لترى كل امرأة نفسها في كل ذلك الذي يحكي على امتداد 384 صفحة هي عدد صفحات الرواية التي ترجمها للعربية صالح علماني بلغة سلسة وجميلة جداً.
وأنت تقرأ بانتباه شديد ما تحكيه كل واحدة من هؤلاء النساء لزميلاتها بشكل علني وبصوت عال، فإنك تذهل مرتين: مرة لبراعة المؤلفة في الإحاطة بكل هذا العالم النسائي من حيث المآزق التي تمر بها كل واحدة منهن، وكذلك المشاكل والمشاعر والذهنيات وطرق التفكير باعتبار اختلاف الأعمار والبيئات والمستويات الثقافية والمهن والخلفيات الأسرية، وتقلبات الأزمنة التي عاشتها كل واحدة، وفرضت عليها مسؤوليات وتحديات تنوء بها الجبال (كيف أمكن لخوانّا مثلاً أن احتملت حتى النهاية رعاية أم مشلولة وابنة مراهقة تصاب بالاكتئاب الشديد بين ليلة وضحاها، محتملة التزامات الرعاية والطبابة والسكن ووو... بينما هي ليست سوى عاملة في صالون تجميل فقيرة جداً؟؟).
والمرة الثانية التي تصاب فيها بالذهول تأتي من قدرة هؤلاء النسوة على اجتراح معجزة الحكي العلني، أو ما يمكن تسميته بالاعتراف الجماعي أو اعتراف التطهر بحسب (العقيدة المسيحية)، فقد اقتنعت التسع نساء ومعالجتهن بأن الكلام أفضل من الصمت، الاختباء وراء الصمت خوفاً وخجلاً ومداراة للأعراف وتحاشياً لتأنيب الضمير لن يقود إلا لتراكم المزيد من القهر والغصات الداخلية لدى كل واحدة منهن وسينتهين مصابات بأمراض القهر (السرطان والاكتئاب غالباً)!
وعليه فلا بد من كسر حاجز الصمت وتقاسم الأعباء بحثاً عن الراحة والتخفف والصفاء، بحثاً عن إنسانية رحيمة تغفر الخطأ وتجد له عذره، وتحتوي الأزمات وتحاول إيجاد حلول ومخارج لصاحبات المآسي المادية (الفقيرات اللواتي لا يحلمن حتى بالأدوية الجيدة لأنها رفاهية المترفين فقط)!