بقلم : عائشة سلطان
في مقدمة روايته «اسأل الغبار» أورد الكاتب الأميركي جون فانتي ما كتبه الشاعر المعروف تشارلز بوكوفسكي حين تحدث هذا الأخير عن حبه للأدب، وعن بحثه الدائم عن كتب من نوعية مختلفة، كتب تتحدثُ إليه وتصرخ في وجهه، كتب استثنائية لكن هذه الكتب كانت نادرة على الدوام، حتى وقعت بين يديه رواية جون فانتي «اسأل الغبار»، فأسهب في الثناء عليها وذكر كيف أثرت فيه، وكيف أحبها والتقى مع كاتبها بشكل عميق، وما ذكره فانتي وحفر في قلب بوكوفسكي الشاعر والكاتب الصعلوك هو حياة البطل في الرواية، وتوقه لأن يكون أديباً عظيماً يبحث عن موضوعات رواياته بين الناس، بعدما كان مجرد شاب مغمور لا يجد ما يدفعه ثمناً لأجرة غرفة استأجرها في فندق مكث فيه وكتب قصة باعها بـ 20 دولاراً لإحدى المجلات!
إن مقدمة كهذه حقيقية، بسيطة، ومليئة بالحنين والنوستالجيا عادة ما تشكل دافعاً لقراءة أي رواية أو أي كتاب، فما بالنا حين يكتب هذه المقدمة كاتب مثل بوكوفسكي، معروف بنزقه وتمرده، فحين يمدحك كاتب لم يعتد فعل الإطراء فهذه أكبر بطاقة عبور إلى قلب العالم، وإن مقدمة دافئة وغير تقليدية يمنحها حكاء متمرس ستدفع كثيرين لقراءة أية رواية إذا كانت بعنوان غريب كـ«اسأل الغبار»؟!
هي رواية التفاصيل الدقيقة والإنسانية، التي تحدث لنا جميعاً، فنتذمر منها ونكرهها ونشتكي من وطأتها، ثم نفاجأ بأننا نحبها ونعلق في عمقها ونتعلق بها حين نقرأها مسترسلة كسيرة حياة لأحد الأشخاص في مكان ما من العالم، نجد تلك التفاصيل كأنها مرآة لنا ولحالنا، لذلك هي رواية عن الحياة، عن مصاعبها وآلامها، عن الحب والموت والقسوة وأحياء البؤس، عن الواقع والخراب، عن الضحك والفرح والبكاء والألم والأمل، عن كل شيء يلمسنا كبشر مملوئين بالضعف والتناقضات.
اليوم نبحث كقراء نهمين عن هذا النوع من الأعمال والكتاب، فماذا نجد؟ لا نجد كتاباً عظماء يتناسلون من بين أصابع الأيام، لنقل إننا لا نريد كتاباً عظماء، لكن نريد كتاباً يعون لماذا ولمن يكتبون، حتى نتوصل إلى وجود قراء يتوافدون على المكتبات بالشغف الذي كان، نحن لا نجد أثراً للعظمة التي كانت، فهل ذلك لأنه لم يعد لهذا المصطلح مكان في أيامنا، أم لأن العظمة على مقاس أهل الزمان؟
نقلا عن الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع