بقلم : عائشة سلطان
توفي والدي عام 1986، واختفى المذياع من بيتنا ومن معظم البيوت، لم يعد أحد يستمع للإذاعة كما السابق، وإن كان الاهتمام بها عاد مؤخراً، إلا أن الإذاعة في مخيلتنا ظلت مرتبطة بحفلات أم كلثوم التي تبث وقت الظهيرة، والتي بقيت كذلك لسنوات طويلة إلى أن حملت التسعينيات رياح التغيير الكبرى لكل المنطقة، ومنها اختفاء وصلة أم كلثوم في إذاعة دبي!
أحالني الكتاب التوثيقي الجميل «أم كلثوم في أبوظبي»، الذي يوثق لزيارة سيدة الغناء العربي أم كلثوم لأبوظبي بدعوة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، قبيل إعلان الاتحاد بأيام والذي أعدّه وأشرف عليه الأديب محمد المر، على فترة ذهبية كانت فيها إذاعة دبي تبث أغنيات أم كلثوم بشكل يومي ومنتظم حوالي الساعة الواحدة ظهراً، كما أتذكر، فقد كنا أطفالاً وقتها وكنا نكره تلك الصرامة التي يفرضها علينا والدي ساعة بث الأغنيات للدرجة التي لا يسمح فيها لأحد بالكلام أو إحداث أي ضجيج، لذلك كنت لا أطيقها في طفولتي، لهذا السبب ولأنني لم أكن أعرف ما تقول ولم أكن أجد صوتها جميلاً أبداً!
لقد حرصت إذاعة دبي ولسنوات طويلة على بث حفلات أم كلثوم في فترة الظهيرة، الوقت الذي يخرج الموظفون فيه من أعمالهم، فتشغل الإذاعة هذا الوقت بصوت يحبه الجميع ويلتفون حوله، ما يشكل حضوراً شعبياً وجماهيرياً للإذاعة نفسها بين المستمعين، حتى توقفت مطلع التسعينيات.
إلى ماذا تحيلنا هذه الحكاية ؟ أعتقد أن مجتمع دبي بشكل خاص والإمارات عامة، كان على الدوام مجتمعاً منفتحاً على محيطه العربي، وكل متغيرات هذا المحيط وانشغالاته واهتماماته وفنه وسياسته وزعمائه وخطبه وكتبه وصحفه، كانت تظهر في فضاء الإمارات عاجلاً أم آجلاً، وكأي مدينة ساحلية كانت دبي وأهلها أصحاب ذهنية متفتحة ومستعدة للتغيير ومحبة للفن وساعية للتجارة والأسفار، وبالفعل كانت القاهرة من أكثر المدن التي سافر إليها الإماراتيون في تلك الفترة ودرس فيها جيل كامل من الشباب وظلوا مرتبطين بها ولطالما تردد عليها كبار رجالات المجتمع بصفة شهرية لحضور حفلات السيدة أم كلثوم، لقد كانت همزة وصل وجسراً حقيقياً بين سكان العواصم العربية وأجيالها.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان