بقلم : عائشة سلطان
يستهويني عالم الحكايات، وتغويني أخبار الناس ذوي القدرات الخارقة والأشكال اللامعقولة المندسين في «الميثولوجيات» والأساطير التي تملؤ العالم، من هنا تشكل شغفي بالحكي والقراءة والكتب، وكانت نساء العائلة ذوات الذاكرة الخارقة هن السبب في صناعة هذا الشغف، ففي كل مساء حين يهطل الليل، وتبدو الظلال أطول وأكبر من أصحابها، وتتبدى مساءات الشتاء طويلة، باردة، وقاسية، تعالج الأمهات والجدات والعمات وحتى الجارات جروح تلك الأمسيات بالحكايات والخرافات، فنغمض نحن الصغار عيوننا على سردهن ونغفو على أصواتهن وأغنياتهن!
إن حكاية أول كل شيء حدث لنا في حياتنا، هي حكايتنا وحكاية تكون وعينا بما حولنا، أول كتاب، وأول بيت سكناه، وأول الأصدقاء، أما أول مدرسة التحقنا بها فتعني أول خطواتنا باتجاه الخارج، وأول خيط نقطعه عن عالم أمهاتنا، عن المشيمة البكر، عن عالم الحماية والدفء والأمان.
حكاية أول مدرسة هي حكاية العمر الطويل الذي مر بنا وعلينا ورسم شخصيتنا ووجداننا، وفي النهاية رسمنا بالطريقة والتفكير والمآل الذي أصبحنا عليه، إنه سؤال النظر من خلف السور الوهمي للعمر، والذي يفصل بين خطوة ذلك الطفل الذي نهض صباحا ليودع كل ما كان وليبدأ كل ما سيكون انطلاقا من أول مدرسة سيعلمونه فيها القراءة والكتابة، وبين حلمه بشراء أول كتاب من نقوده الخاصة!
نكتشف أن الحكايات تتناسل، وأننا ما كنا لنكتب لو أننا لم نقرأ، نكتشف أنه في البدء كانت القراءة، وأن (اقرأ) هو الفعل والفاعل دوماً، وأنه حين تتمكن منك القراءة يصير عيباً أن تتحدث عنها كهواية، القراءة مقارعة الوقت والنفس والعقل والقلب والناس الذين حولك، حين تقرأ فإنك لا تمارس هواية، إنك تبني شخصاً مختلفاً عمّا كنته قبل القراءة، هذا أولا، وثانياً، فحين تقرأ فإنك تتخذ قراراً ببدء عملية نحت طويلة ومضنية، ستجعلك مختلفاً بشكل ستعرفه في كل خطوة وأنت تمضي قدماً في الحياة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان