بقلم : عائشة سلطان
أصبح الانتماء في أيامنا أحد المفاهيم الإشكالية التي تحتمل اللبس والتفسيرات المختلفة بحسب الأيديولوجيا والتحزبات، إلى الدرجة التي أصبح فيها الانتماء للوطن محل اختلاف عند البعض! فالإخوان مثلاً في أدبياتهم الكثيرة وعلى لسان رموزهم يؤمنون بأن الولاء يجب أن يكون للجماعة وليس للوطن.
ويعرف الانتماء لغةً بأنه الانتساب إلى شيء ما، أمّا اصطلاحاً فهو الارتباط الحقيقي، والاتصال المباشر مع أمرٍ مُعيّن تختلف طبيعته بناءً على الطريقة التي يتعامل فيها الفرد معه، ويعرف أيضاً بأنه التمسك، والثقة بعنصر من عناصر البيئة المحيطة بالأفراد، والمحافظة على الارتباط به وجدانياً، وفكرياً، ومعنوياً، وواقعياً مما يدلّ على قوة الصلة التي تربط بين الفرد، والشيء الذي ينتمي له، ما يعني ضرورة وجود رابطة قوية بين المنتمي والشيء الذي ينتمي إليه، وأن يتعامل معه بشكل مباشر، وأن يكون متصلاً به بشكل عميق وحقيقي سواء مادياً ووجدانياً وفكرياً، وليس هناك أهم من الوطن يمكننا الاتصال به والانتماء إليه، فهل يمكن إلغاء الوطن واستبداله بالكرة الأرضية مثلاً، أو الانتماء وجدانياً لشخص يعيش في الإسكيمو لاعتبارات دينية «هذا دون أي إنكار للرابطة الإنسانية بيننا وبين المنتمين معنا لنفس الدين بطبيعة الحال».
إن تسييس الولاءات، وتسييس الدين لصالح المصالح والغايات السياسية يعد أحد أهم أسباب تصاعد تيارات التطرف في كل اتجاه، وبسبب ذلك نشأت هذه الإشكاليات العديدة والخطيرة ومنها إشكالية الانتماء سواء للوطن، أو للذاكرة، للأمكنة، للقيم، للإنسانية، لنا كأمة ذات خصوصية ثقافية، هذا الانتماء صار أكبر إشكالياتنا في الوقت الحاضر، وصارت عملية التبرؤ من كونك عربياً أو مسلماً أو شرقياً.. إلخ تشبه السباق الماراثوني الذي يتسابق له البعض سعياً وراء الأمان والنجاة من النبذ وتهم الإجرام والتطرف، وذلك لكثرة ما اختلط الحابل بالنابل!
حين تنفي الدول والأنظمة انتماءها للجوار الذي تعيش فيه، ينعكس ذلك على كل شيء، ويتحول الواقع إلى فضاء مأزوم، مليء بالإرهاب والخوف وعدم الثقة، إن قضية الانتماء ليس أمراً ثانوياً وعلينا أن نوليه اهتماماً كبيراً في البيت والمناهج والإعلام، نحن في زمن يعيش الناس فيه ضمن علاقات وفضاءات افتراضية وهو أمر ليس سهلاً أبداً، خاصة حين يتم الحديث عن مجرد تطبيق إلكتروني كـ«الفيسبوك» كإمبراطورية بشرية ينتمي إليها ملايين البشر!