بقلم : عائشة سلطان
في الحياة ونحن نمضي في طرقاتها، نتعرف بكثيرين، نصطدم ببعضهم، نحب، نعجب، نصادق، نرافق، نتأثر، نتوقف أمام الوجوه والإشارات، نتحدث كثيراً، لنعرف بعضنا، لنقترب أكثر، فنتفاهم ونتفق منذ الجملة الأولى، أو قد يحدث العكس، فقد نتصادم، نسيء فهم بعضنا فنختلف ثم تتفرق بنا السبل، المهم أن سلوكنا الشخصي ونحن نتعرف ونتحدث أو نستمع لبعضنا ونتحاور لا ينبئ عن مقدار الثقافة التي نملك فقط.
لكنه يكشف نوع شخصياتنا وبناءاتنا النفسية بشكل كبير، هل نحن مرنون إزاء اختلاف الآخر عنا ومعنا، هل نتقبل هذا الاختلاف بصدر رحب، هل نعتبره تحدياً شخصياً لنا، هل لدينا استعداد للإنصات بحكمة وتفهم أم أننا نسقط سريعاً في العصبية والغضب، فتكون النتيجة أن نتسرع في الفهم، ونتسرع في تكوين رأينا فيما سمعناه، وبالتالي نتسرع في طريقة الرد، والنتيجة تكوين حكم متسرع حتماً، لا يقود إلا إلى طريق مسدود؟
الحوار مساحة رحبة للتقارب والتفاهم إذا احتكم إلى الهدوء والتفهم، فالاختلاف - وهو حق مشروع تماماً - يمكن أن يتم بهدوء وحكمة، الحوار كذلك مساحة متاحة أمام الجميع بالقدر نفسه، نحن من يوسّع أفقها ليفيد منها، أو يضيقها حتى لا يبقى فيها متسع للحكمة، فإذا انعدمت الحكمة كثرت الأخطاء، وعندها نقع تحت طائلة الندم، ونكون مضطرين إلى التراجع والبحث عن مخارج وترديد الأسف والاعتذارات.
أنت تعتذر لأن الاعتذار سلوك حضاري جداً، أقرب إلى دفع ضريبة مستحقة، وهو يدل على إقرارك بأنك أخطأت في حق الآخر، وأن هذا الآخر له حق أن تعتذر له بالمقدار والشكل اللذين يتناسبان مع حجم الخطأ، فأن تهين شخصاً أو تعتدي على كرامته عامداً متعمداً ليس مثل أن تدوس إصبع رجله وأنت تقف بجانبه في زحام المترو، هناك أخطاء يكفيها كلمة «آسف»، وهناك أخطاء ستدفع شيئاً من قلبك لتصحيحها إن قدرت.
كلنا نخطئ في نهاية الأمر أو حتى في نهاية اليوم، أخطاء صغيرة، هفوات غير مقصودة، وتصرفات قد يساء فهمها، أليس ابن آدم خطّاء كما أخبرونا ونحن صغار في دروس المدرسة؟ لكن متى تخطئ وتمضي دون أن تلتفت؟ ومتى تشعر بأنك يجب أن تقول لأحدهم بمنتهى الجدية والصدق: أنا آسف، أرجوك اقبل اعتذاري؟ متى تشعر بأن اعتذارك مجرد كلمة تقال؟ ومتى توقن بأنه محاولة حثيثة لمنع كارثة.
نقلا عن البيان