عائشة سلطان
أحب هذه المدينة كثيراً، رغم أن علاقتنا كخليجيين بمدن أوروبا الشرقية، محكومة بنظرة محدودة، وتكاد تكون ضيقة، فهي منذ الثمانينيات، وربما قبل ذلك، كانت مقصد الكثيرين منا للعلاج في مصحاتها الاستشفائية، ضمن منتجعات تتوسط طبيعة فاتنة، مع ذلك، فإن الفكرة السائدة أن هذه الدول التي كانت تصنف على أنها تابعة للاتحاد السوفييتي، تفتقد رفاهية وتطور وخدمات مدن أوروبا الغربية، التي يفضلها العرب عامة، والخليجيون على وجه الخصوص، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، فهذه المدن ذات خصوصيات عظيمة!
في براغ مجدداً، الصيف مختلف بكل المقاييس عن ذاك اللاهب الذي تركته خلفي، السماء ملبدة بالغيم، ونشرة الطقس تبشر بسقوط أمطار، تشي مبانيها وكنائسها وجسورها وطرزها المعمارية كلها، بتاريخ عريق، بينما لا تسمع في شوارعها ومطاعمها ومراكزها الكبيرة لغة التشيك القريبة من الألمانية، وتتوقف لتسأل عن شارع أو متحف أو قصر، فتتفاجأ أن لا أحد يعرف المدينة، فتمضي إلى أقرب فندق، حيث الجميع يتحدث الإنجليزية بلكنة أميركية، عندها تتذكر ما كان في ربيع براغ عام 1968!
في تلك الحقبة صرح دوبتشيك، الرجل الذي أراد قيادة حركة إصلاح سياسية على أطراف الاتحاد السوفييتي، لكن ربيعه السياسي أجهض عندما اجتاحت الدبابات الروسية شوارع براغ، معيدة كل شيء كما كان!
ظل تأثير ربيع براغ يتنامى، دافعاً الكثيرين للهجرة، ولعل أعمال الكاتب التشيكي ميلان كونديرا، واحدة من تداعيات ذاك الحدث، بعد أن هاجر إلى باريس ونشر أعماله، مشكلاً حجر الزاوية في الوعي الغربي حول موضوع الإصلاحات والحرية، وهو ما قاد لاحقاً إلى ثورات متتالية، قادت لاستقلال التشيك 1993!
انتهى الاتحاد السوفييتي بسقوط جدار برلين، وانفصلت الجمهوريات الأوروبية بثورات متتالية، لتدخل مرحلة انفصالات وحروب، بعضها أعلن استقلاله وانضم للاتحاد الأوروبي، وبعضها يحث السير في هذا الاتجاه، في نهاية المطاف، فإن الأوطان العظيمة والإنسان المدافع عن حقوقه وحريته، هو من يبقى، وكل الزبد يذهب جفاء، أما الأكثر أهمية، فهو وعي الإنسان أن الحرية لا تأتي على حساب الوطن، ولا على أجساد أبنائه، ولكن بالحفر في عمق الوعي، ليأتي الإصلاح تلبية لحاجة، وليس تنفيذاً لأجندات خارجية!