بقلم : عائشة سلطان
باستلامي ما يقارب اثني عشر كتاباً أتت بها صديقتي العزيزة مساء البارحة تحملها لي من القاهرة، أكون قد رميت الصيف والفراغ بأجمل الأحجار على الإطلاق، فحين نقول إننا اصطدنا عصفورين بحجر نكون كمن أنجز صفقة كبيرة بذكاء ساطع، والكتب حين تأتي من مصر يكون لها وقع مختلف، طعم آخر، وأصوات كثيرة، هناك حكاية أو حكايات حقيقية من لحم ودم تقبع خلف تلك الكتب التي أوصيت على بعضها، وأتاني بعضها كهدايا، بالنسبة لي فإن تلك الحكايات هي القيمة الإنسانية التي تجعل من الكتاب رابطة دم بين أناس يتحركون في مدارات مختلفة على هذه الأرض !
يقول محمود درويش في قصيدته (على هذه الأرض ) ما يلي:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة: تردد إبريل، رائحة الخبزِ في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس، أول الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ يقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكرياتْ.
على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ أيلولَ، سيّدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس في السجن، غيمٌ يُقلّدُ سِرباً من الكائنات، هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.
فهل تكون تلك من الصدف الغريبة أن تكون الكتب الاثنا عشر تقول كل هذه التفاصيل التي في قصيدة درويش ؟ فدوريس ليسينج تقص في كتابها الجميل جداً ( الدفترالذهبي) حكايات نساء تشبه حكاية المرأة التي تغادر الأربعين بكامل مشمشها، حكاياتهن مع الحرية، والثقة والمآسي والعنفوان والزواج والغرام، في حين تقودنا الروائية الأميركية الشهيرة فرجينيا وولف إلى حقيقة المرأة كذات أنثوية تريد أن تكون أنثى ومبدعة، زوجة وأماً وروائية ناجحة، فتقول في روايتها الشهيرة (غرفة تخص المرء وحده) ملخصة نظريتها (إنه إذا أرادت امرأة أن تكتب الأدب، فيجب أن تكون لها غرفة تخصها وحدها، وبعض المال) أي أن تكون كالسائر على خيط الناي تماماً، أمهات، وزوجات ومبدعات مستقلات، يا الله كم تبدو عبارة درويش نحتاً عبقرياً في مسارب اللغة!
تبدو رواية (لعبة الملاك) للإسباني كارلوس زافون، عملاً فائق الإبداع، يكمل كجزء ثانٍ رواية (ظل الريح) وسيتبعها كما أعلن المترجم معاوية عبد المجيد أجزاء أخرى، أما الجميل إبراهيم نصرالله فله نصيب من قراءاتي دوماً منذ أن سقطت في بحر إبداعه الشاهق يوم قرأت روايته الملحمية ( قناديل ملك الجليل) و(زمن الخيول البيضاء) ضمن سلسلة رواية ملحمة الملهاة الفلسطينية.
الكتب من أجمل الأشياء التي على الأرض والتي تستحق الحياة فعلاً... شكراً لأصدقائي الذين أرسلوا لي بهذه الهدايا العظيمة، التي تحمينا من هذا القحط الماثل في كل مكان، هذا التوحش والتوعر الذي سطا على كل الأمكنة، عدا تلك التي تسكنها الكتب!