بقلم : عائشة سلطان
وصلت إلى براغ في الثانية ظهراً، سار كل شيء بشكل سريع وبسيط وبطيء جداً كعادة هذه الدول التي لازال رتم الحياة يسير فيها بطاقة البخار، تريد أن تنطلق إلى المستقبل بينما أطنان من أثقال الماضي وتركة العلاقة بما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي تجرها للخلف أو على الأقل تسمرها في مكانها أو تجعلها تتحرك ببطء سببه تعثر الاقتصاد وتعثر سياسات الحكومة، ومنذ أن جئتها لأول مرة فإن أهلها لا يزالون يعاملون القادمين بخشونة تنم عن طبع متأصل على ما يبدو!
احتاجت صديقتي لزيارة إحدى الكنائس الأثرية الشهيرة في المدينة، فاحتجنا لاسم المكان لنعطيه لسائق سيارة الأجرة، كما احتجنا لسيارة أجرة ابتداء، احتاج الأمر نصف ساعة للعثور على سائق يعرف معالم مدينته ولأعصاب باردة لتحمل فكرة أن موظفين في واحد من أرقى فنادق المدينة لا فكرة لديهم عن معلم أثري يأتي زواره من جهات الدنيا الأربع، وحين عثرنا على السائق العبقري كان النهار قد انتصف وأعلنت صديقتي ندمها على اختيارها لهذه المدينة، لكنها عادت وغيرت ندمها!
اخترت الإقامة في فندق يطل على نهر الفالتافا الذي يقسم براغ قسمين، ويبعد بضع خطوات عن ساحة المدينة القديمة، على جوانب هذه الساحة الواسعة ذات المداخل العديدة تتوزع المقاهي والمطاعم والمباني الأثرية.
وفي قلبها ستقع عيناك حتماً على كل المشاهد التي يمكن رؤيتها في ساحات عواصم ومدن أوروبا من العازفين، الموسيقيين، الرسامين، الأطفال والعشاق، وعلى مقربة من الساحة القديمة، وبعد أن تتجاوز بضعة شوارع فرعية سيظهر لك الفالتافا منساباً ورقراقاً وحاملاً مئات السنين من التاريخ والأحداث من خلال تلك الشواهد التي تطل عليه من الضفتين!
مقهى «سلافيا» الذي اعتاد الشاعر العراقي الجواهري الجلوس فيه يومياً أثناء إقامته في براغ، يسيل على نهر الفالتافا وقلعة براغ، وقد تردد عليه كافكا، وريلكه الشاعر الألماني الشهير المولود بمدينة براغ، كما تردد على نفس المقهى بابلو نيرودا وناظم حكمت.
أما مقهى كافكا الأديب الشهير فالعجب أنه أصبح مقهى بعد أن كان مكتبة شهيرة في المكان ذاته في الساحة القديمة نفسها، قالت النادلة: الناس تريد أن تشرب المابتشيو والموكا على طريقة الأميركان لا أحد يريد أن يقرأ! يبدو أن ربيع براغ لن يطل عليها أبداً!