ناصر الظاهري
للناس إشارات تدل عليهم، وإن اختبأوا خلف الوهم، أو اندسوا في التظليل أو تكيفوا وتطبعوا بألوان الطبيعة المحيطة بهم كنوع من التمويه، لابد وأن تظهرهم إشاراتهم:
- جماعة متأسلمة وغير مسالمة، تتستر وراء الدين، ومتغلغلة في المجتمع ونسيجه، تظهر على ملامح أفرادها تصنع الغضب من كل شيء، وعدم الرضاء عن كل شيء، دائماً ثمة مرارة في حلوقهم، لا يريدون أن تكون حياة الناس ملونة، يشعرونك أنهم مسؤولون عنك، وأوصياء عليك، وأن حسناتهم ستنقص دنيا وآخرة إن لم تهتد، هؤلاء ينكشفون من إنشاء مدرسة يسمونها «دار الأرقم» مثلاً، أو حضانة «الينابيع» أو محلات «انبلاج الفجر» أو مطعم «الغدير» أو شركة «الهداية»، هناك لغة مميزة تجمعهم لا يمكن تغييرها، لأنها جزء من الثواب، وقاموس من العبارات والألفاظ موحد يتداولونه، لأنهم يعتقدون أنهم مجتمع صغير طاهر ضمن مجتمع كبير فاجر!
- جماعة مدعي الثقافة لابد وأن يظهر الواحد منهم «محلط» وشعره واقف، وثيابه مهلهلة، يدعي البوهيمية، تدور أمام وجهه دوامة من الدخان الذي لا ينقطع، وإن كح السبع كحات، دائماً يشعرك بالملل والقلق، وأن الأمور في الدنيا لن تنصلح في حياته، يوحي لك أنه مغبون، وأن الظلم واقع عليه دوماً، قد يردد عبارة ملازمة له بالإنجليزية «Who Cares» أو يستعين بجملة مسرحية مثل: «اللعنة تحيط بنا.. وليس هناك إلا الطوفان» ومن هالخريط، حين يكون في بيته يتحول عن مظاهر التثاقف، وينطحن في هموم الوقت، وتفاهات اليوم، وحينما يخرج للمجتمع يطير بجناحين كاذبين، ويمارس فوقيته الثقافية، ويحن لبرجه العاجي المفقود!
- جماعة «البزنس» الوهمي يوحي لك بالأبهة المخادعة، والنظافة المسروقة، والسفر الدائم، وقلة الوقت، وقلة الراحة، دائماً يُطَيّر غباراً وراءه وقدامه، ليعمي الناس البسطاء، تشعر أن الأرض لا تقوى على حمله، ولابد من هاتفين، ولابد من سماعة يرضعها طوال الوقت، وبصوت خافت لكي لا يسمعه الآخرون بما يهمس، سمة الاستعراض بادية عليه فيما يلبس أو يركب أو يأكل، بين كل دقيقة ودقيقة، لزاماً عليه أن يذكر سكرتيرته ومكتبه: «كلم سكرتيرتي وخذ موعداً، مر عليّ المكتب، إذا ما لقيتني في الغولف، عندي إيطاليين مرتبط معهم على غداء عمل، خليني أكلم سكرتيرتي أشوف الساعة كم»، وسمة التباهي لصيقة به خاصة إذا ما التقى بأشخاص أعلى منه أو أشخاص أقل منه، فينصب على الأولين، ويتفاخر على الآخرين، لكنه يبكي نفسه وحيداً!