ناصر الظاهري
هو بوح للنفس ولكنه للآخرين، حيث يمكن أن تتماهى بعض الشخصيات، وحيث يمكن لبعضها أن تتلاقى في نقاط تقاطع تجمعها الأشياء، ويجمعها الخير والحب والجمال والحق، هو رؤية الذات في المرآة المشروخة، ومسموحاً أن يراها الآخرون.
لو قيل لك ما هو أجمل يوم في حياتك تتمناه أن يطول كدهر؟ هل يمكن أن يكون ذاك اليوم الذي تنهض فيه دون ضجيج، ويكون سعيداً بالذي يحيطون بك، ويكون أسعد لو كان المطر قد غافل فجر المدينة، ويكون أسعد لو بقيت حديقة المنزل تستدعي طيوراً مهاجرة، ويكون أجمل لو كان هادئاً إلا من فعل الخير.
ولو قيل لك: ترى ما هي السعادة؟ وهل تقدر أن تقبض عليها بكلمات مختصرة؟ فهل تكون ذلك الإحساس بالرضا، حينما تقدر أن ترسمها بالود والمحبة على وجه آخر متعب أو طفل صغير أو عجوز فقير أو صبية ترهقها الحاجة، مكمن السعادة دائماً عندك في الحب وعشق الحياة بألوانها دون أذى.
ولو قيل لك عن البوح، ستقول: إنك أبيض شفاف حد الطُهر، ما لم يلوثك الآخر، صادق مع النفس والناس حد البراءة، ما لم يكذّبك الآخر، تمشي لوحدك في الحياة ولو كنت حافي القدمين، وتنتعل الملح، تحمل أثقالك وإن كثرت وتتحمل، ولا تحملّها الآخرين، وهل يكون البوح أيضاً عن الصفة التي تود لو لم تكن من طباعك، ودونما خجل، والتي أحياناً تقول: إنها صفة الخجل الكثير ثم تتراجع، وأحياناً تقول إنها الطيبة الزائدة ثم تتراجع، وأحياناً أخرى تقول إنه التسامح بلا معنى ثم تتراجع، وكثيراً ما تقول إنه الكرم بتبذير، وتتراجع حينها أكثر.
وعن أول شيء تفعله حينما تستيقظ صباحاً، لا تشك أنك تحب الكثير من التأمل، وقليلاً من القهوة أو الشاي.. ثم رحلة الماء الجميلة.
وهل ثمة سلاح يحميك ويصد عنك الضغوط؟ فلا تجد غير السينما، وارتداء الملابس الشبابية الفرحة، والسكن في فندق فخم كتعويض عن السفر والانتقال، وهناك حمى التسوق كعادة سيئة، تضحك منها عندما تهدأ، ولكنك لا تتوب.
وكيف يمكنك أن ترى حياتك بعد عشرين عاماً من الآن؟ يمكنك أن تصرّح وبالعافية التي تتمناها بأنك لن تستسلم للعصا التي تقودك، وستكون شبه عجوز متأنق دائماً، ربما تعود لامتلاك سيارة رياضية حمراء فاخرة، قد تسكن مدينة أوروبية أو متوسطية، وستكون على سفر دائم هروباً من شيخوخة مقترحة.