ناصر الظاهري
لذا سنسهل الأمر على ابن بطوطة، ونقطع له تذكرة سفر بالطائرة، ونطلب منه فقط أن يثبتّ حجوزاته في المدن التي ينوي الذهاب إليها، ونطلب منه أن يتحلى بالصبر، وطول البال إن لم يجد أماكن لهذه الحجوزات، وإذا استعصى الأمر عليه، فسنعلمه طريقة حديثة لم يألفها من قبل وهي دس بعض الدريهمات في جيوب العاملين والموظفين في أماكن العمل وتسهيل الأمور، وأنها تعرف في كل بلد باسم، بدءاً بالمغرب الذي يسميها «القهيوه» وانتهاءً باليمن الذي ينعتها بـ«السلط»، وهكذا سيعرف وقت طلبتها، واسمها من عيون الموظفين والعسكر والشرطة، ومسؤولي الجوازات، والتفتيش الجمركي، ومن يصادفهم في طريقه من العيّارين والمحتالين.
سنتركه يتوكل من غير أن نقول له عن الانتظار الطويل في صفوف جوازات السفر، ولا عن مضايقات حمّالي الحقائب، ولا عن استغلال سائقي الأجرة، ولا عن تلاعب أصحاب الشقق والمنازل، ولا عن النشالين، ولا عن الدلالين على كل شيء، سنوفّر عليه كل هذا الجهد، ونحجز له غرفاً في فنادق من ذوي النجوم الخمس، وإن كانت لا تتناسب ومصاريفه التي يتكبدها، ولا يعرف قيمتها، لكنها آمان، وراحة، واستجمام، وألا ينزل الخان القديم، فهناك سيكون طعماً للمبتزين، وفريسة للمجرمين، وسننصحه ألا يحلّ ضيفاً خاطراً عند أحد، لأن عادة إيواء الغريب، نساها العرب منذ سنين، وسنحذّره من التعامل مع أصحاب المحلات التجارية والمطاعم ومتعهّدي الحفلات والملاهي والشحاذين وأصحاب البدل الزرقاء وماصيّ السيجار الهافاني أو الدومينيكاني، لأنهم جميعهم عليه من الأغراب، ولم يعهدهم في عصره، وهم من أعداء السياحة العربية، ونقول له: إن الزمن تغير، وأن الطبع العربي تغير، وأن الكرم العربي تغير، وأن الخريطة العربية تغيرت، وأن النفوس العربية تغيرت، وأن كل شيء تغيّر إلا حالنا، وما آل إليه مآلنا، وننبهه من الانتساب لدويلات إسلاموية مارقة، ظاهرهم التقوى، وباطنهم عذاب الحريق، وأنهم يمدون حبائلهم، ويصطادون الفتية المغاربة على اختلاف أعمارهم وأجناسهم وأصلابهم، ويزجون بهم في حروب خاسرة! سنطلب منه أن يكتفي بما كتبه في كتابه القديم عن مدن العرب، ويتجه نحو بلاد الإفرنج، لأنهم لم يبقوا أعداءً، وأنهم بزّونا بسنين، وأنهم يحرّمون الغش، ويحرّمون الكذب، ويلتزمون بالمواعيد، وأن سائقي الأجرة عندهم يلتزمون بالعداد، وأنه سيجد بنات سمر البشرة يضعن المكياج بالأرطال، يخبّئن الشيلة والعباءة من المطار، ويستبدلن مكانها المحزّم والمقصص، وما اعتلى الركبة بشبر، نقول له: هذا جزء من سياحة أهل الخليج.
ونقول لمولانا الرحالة ابن بطوطة: إياك وسماع نصيحة العرب، وقبول دعوتهم إلى أندية القمار، والطاولات الخضراء التي تنتشر في أسفل الفنادق الضخمة، ويكتفي في تجواله بزيارة المتاحف، ودور الثقافة، ومهرجانات الإبداع والفنون، لأنها المكان الحقيقي للناس الحقيقيين الذين سافر من أجلهم.