ناصر الظاهري
صباح الخير الاتحاد.. أقولها وأنا أستمتع بتقليب صفحاتها مع فنجان القهوة، وثمة عطر للصباح، وثمة متعة خلقتها العادة اليومية، لو فقدتها، فستجد نهارك غداً يتيماً، لكن «أروى» بعد عشر سنوات مما تعدون، لن تملك رؤية المشهد الأبوي مع صحيفته، وقهوته، قد تمد عنقها الآن لتشاركه القراءة، قد تغيظه أو تمرطها من يده، في زمنها ستقرأها كما قدر لها إلكترونياً من خلال شاشة ساعة معصمها، وربما تسمعها مقروءة من خلال هاتفها، ستطوى الصحف، وتجف الأقلام، ولن يبقى إلا التطور، والعدو نحو الجديد، والأفضل، وعلى المخلصين لأشيائهم القديمة أن يكتفوا بتلك التنهيدة الحارة الخارجة من الصدر للتو.
بدأت الصحف بأوراق كانت تسمى بالبطانية لكبرها، حينما كان هناك متسع في المكان، والمدى رحب، أما حينما تزاحم الكتف بالكتف في القطارات ووسائل النقل، تقلصت البطانيات إلى حجم أقل، وفائدة أكثر، وتقلصت آلات الطباعة التي كانت بحجم الفُلك الراسيات، ويديرها ربابنة من رجال حقيقيين، إلى قطع متلازمة، تدار بأيدٍ ناعمة، وسابقت الصحف الزمن، فظهرت الطبعات في العواصم والمدن، كتحدٍ جديد، لكن الزمن يفرض سطوته، حيث زاحمت تكنولوجيا الاتصالات كل شيء، وأول الساقطين على مراحل كانت الصحف الورقية التي بدأت تعد نعوشها، فتهاوت صحف عالمية من أبراجها الورقية إلى قاع الإلكترون، ووادي السليكون، مودعة التقليديين والمحافظين، وممن يعشقون رائحة الأحبار، ويستطعمون الأخبار، فلم نعد نرى ذلك الموظف المتأبط جريدته في عودته المسائية، ولا ذاك البائع على دراجته الهوائية، وهو يرمي بالجريدة في حديقة المنزل أو يعلقها على الباب أو يسلمها باليد للقراء العجلين في سياراتهم، غابت صحف الورق من على أرصفة المقاهي، ومن مظهرية التثاقف، ولم تبق إلا قلة من المتقاعدين الذين لا يريدون ليومهم الطويل أن ينجلي، وما عاد الليل للانتظار، فقد احتلته شاشات الفضائيات، وإرسالها المستمر، ولم تعد البرازيل بعيدة جداً، وأصبح كل الناس صحفيين ومخبرين، ويبثون من مواقعهم المختلفة، ومن خلال هواتفهم النقالة الذكية، وظهر شكل جديد يزاحم عجائز الورق، هي شبكة التواصل الاجتماعي.
عشر سنوات هي أمنيات المتفائلين بانسيابية الحرف، أمثالي، أما أنصار الحروف المتكسرة والشاشات الرمادية، فقد رجعوا من جنائز الدفن مبكراً، وأنصار البيئة تبادلوا أنخاب المحافظة على لحاء الأشجار، وعدم الإخلال بالطبيعة، وحدي وأمثالي قليلون، ممن أدركتهم الشيخوخة مبكراً، لن يجدوا بعد تلك السنوات في صباحهم الضجر، أي أوراق تعطي فنجان القهوة طعماً آخر!