ناصر الظاهري
أولاً أشكر المذيع المتألق في صباح الرابعة والناس «أبو راشد» لشجاعته، ومهنيته، ووعيه، حينما استضاف «خالد حرية» هاتفياً من الكويت، ليسمع الناس حديث الطرف الآخر، ويقول الطرف الآخر رأيه في الذي حدث، وربما يقدم اعتذاره، ويبدي تحمل المسؤولية، فالعادة عندنا حينما يسقط الإنسان، الكل يرميه بحجر، فجأة يتحول الأصدقاء إلى أعداء، هذا غير الأعداء «المجانين» الذين لا يعرفهم، ولا يعرفونه، وربما سمعوا بأذن واحدة عن قضيته، فيدخلون على الطريق، وضده، هذا غير الذين لديهم أحكامهم المسبقة، والجاهزة للطعن، والذين يبكون الكاثوليكية، أشد من البابا، ويعضدون الملكية أكثر من الملك، وغير الذين يسقطون عقدهم على قضايا الآخرين، شماتة، وتشفياً.
قضية «خورفكان» تفاعلت أحداثها بعد انتشارها على الوسائط الاجتماعية، انتشار النار في الهشيم، وتعميمها «خليجياً» لتأخذ بعداً من الحسبة، وتداخلات من فئات المجتمع الخليجي بمختلف ثقافاتهم ومعتقداتهم، والبعض ممن يصطاد في الماء العكر، وجدها سانحة، وظل يتهم ويعمم، ويقذف الجميع بما يعتمل في صدره من حقد تربى عليه؛ لذا كان تدخل المسؤول، وفي الوقت، رادعاً، حماية للمجتمع، وحفاظاً على إرث وتقاليد عربية، وأخلاق إسلامية. لكن القضية في حقيقتها ذات شقين، محاكمة المتسببين في ذلك الصخب المفسد، ومحاكمة المصور، والمروّج؛ لأنهما شركاء في الجريمة، وإن لم تسنّ قوانين رادعة، ومتطورة بتطور وسائط التواصل الاجتماعي، فإن المجتمعات ستجد كل يوم لديها قضية ذات شكل مختلف، منها اختراق الخصوصية، والتلصص، وتعريض أعراض الناس للفرجة.
ولكم أن تتخيلوا لو أن امرأة بجهلها أو بغيرتها أو بحقدها أو حسب ما يملى عليها معتقدها «التديني» تصور عرساً تختلط فيها النساء، مستعرضات أثوابهن ومجوهراتهن، وفرحهن وهن كاشفات، ثم تبث ذلك الشريط لعدد من صديقاتها، وتجر السبحة في الوسائط الاجتماعية بسرعة لا يمكن توقيفها، وتظهر التعليقات من الجمهور «غير المحترم»، وهم الغالبية في هذه الوسائط: «شفتم أخت فلان.. أسميها حلوة»، «خيبه.. يأم العروس كم متنها»، «هاذيك حرمة فلان تتشمت»، ويبدأ الحريق في البيوت، ولن تطفئ تلك النيران المتآكلة، التي بدأت بشرارة، ولكنها ستظل جمرة في الصدور، لنترك القضية تأخذ مجراها القانوني، والتحقيق الرسمي، دون تدخلات مقصودة من وسائل الإعلام، ولا تعليقات جارحة من هواة التسالي في الليالي، ولا إذكاء للنيران من قبل مدعي الفضيلة، وبقصد مكافحة الرذيلة، فثمة أمور في المجتمعات من المسكوت عنها، ويتجنب نبشها، كما أن نوايا الفاضلين ليست دائماً طاهرة!