بقلم - ناصر الظاهري
- قصة «الكورن فليكس» بين الآباء والأبناء في مراحل سابقة من حياتنا، ومرحلة جديدة من حياة أبنائنا، زمان لو قلنا للآباء الذين يفطرون على الريق سح فرض حولي، وقهوة، وخبز رقاق مرشوش بسمن، إننا نحن الأبناء نريد أن نفطر على «كورن فليكس» أو حتى زبدة وجام، يمكن يعسفنا الأب بالحابول أو يكب فنجان القهوة في نحورنا، وأتذكر أول مرة اكتشفت «الكورن فليكس» كان في لندن عام 1977 عند العائلة الإنجليزية، يومها فرحت فرحاً شديداً، وبقيت «اتريقه واتغداه» من كثرة فرحتي به، ومن بين ما حزنت عليه من الأشياء بعد عودتي من لندن، فقداني «الكورن فليكس»، حتى بعد ما كبرت أتذكر كثيراً من «الغديات» في فرنسا بعد المدرسة كان «الكورن فليكس» دون شكوى، اليوم العيال يموتون عليه، بس الفرق أن الأب الجديد وفره لهم منذ نعومة أظفارهم، وفي كل الأوقات، وبأنواع كثيرة لم يكن يعرفها الأب، كنت أريد أن أنقل لأولادي حكايتي مع «الكورن فليكس» وندرته، وعدم معرفتنا به إلا بعد ما كبرنا، فلم يصدقوني.
- «في بعض الناس تراهم يسوون حق عمارهم عفسه، تشوف حرمة طالعة الصبح وكان في شوية برد، فرضفت فانيلتين صوف خشن على ظهرها، وفي الساعة الواحدة حرّت الدنيا، وردت تنافخ وهي في داخل سيارتها «الارمادا» الموديل القديم، وتدوخ سيجارة، فشعرت أنت الواقف بجانبها عند الإشارة الضوئية بذلك الضيق والحرارة حتى آنست ذاك الصوف الذي يشبه البطانية الإنجليزية يشري جنبها، وأنها في موضع لا تحسد عليه».
- أعجب من بعض الناس تجده منذ نعومة أظافره، وهو يسعى لكي يصبح محاسباً أو مدققاً للحسابات في شركة لها عدة فروع مختلفة، تبدو تلك مهنة شاقة على النفس، بالنسبة لي على الأقل، وفيها من القسوة، وطلب السلطة، وتسليط الذات لمراقبة الآخر، واصطياد أخطائه، لكن مثل هؤلاء الناس يحبون تلك المهنة التي يتمنونها بشغف، معتقدين أنهم محاسبون، ولا يحاسبون، وما أن يصبح أحد هؤلاء محاسباً، ويظل يرتدي تلك البدلة السوداء التي يخفّ لونها تدريجياً نحو الأكحل والأغبر ثم الرمادي المحايد، وبشنطة جلدية ستمكث بيده طويلاً، وأقلام بينها الأحمر بالطبع، ودفتر مقلم بمربعات صغيرة، لا تعرف له جدوى، حينها لا أحد يقوى عليه، فهو الوحيد الذي لا تفوته شاردة ولا واردة، ويعرف الأنظمة والإجراءات المتبعة في عدة دوائر مختلفة، ويمكنه أن يجلس على كرسي خشبي ساعات طوالاً، ولا يشكو، بتلك النظارة ذات الإطار الأسود السميك، آه.. ما أصعب أن يطلب مني أن أعد الحساب الختامي لنهاية العام المحاسبي أو يطلب مني تقديم خطة خمسية يراعى فيها تقليص المصروفات، وزيادة الإيرادات، بعض المهن شاقة، تثقل الصدر، مثل الحصول على رخصة «ليسن» ثقيل، لتتولى بعده مباشرة سياقة «نساف أو تريلّا» في طريق «سويحان»!