صناعة معرفة أم جدل معرفي

صناعة معرفة أم جدل معرفي؟

صناعة معرفة أم جدل معرفي؟

 صوت الإمارات -

صناعة معرفة أم جدل معرفي

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

هل تصنع المعرفة، أم يعاد تخليقها بصور موظفة ومختلفة، لتصل للمتلقي؟ وهل الرهان على الكم المعرفي، أم على عمق المعرفة المرسلة للمتلقي؟ منذ أن أدرك الإنسان أن المعرفة غدت قوة يعتمد عليها، وثروة يستثمر فيها، وهي وسيلته في السيطرة وبسط النفوذ، فلا يمكن أن نبرّئ الملكين القشتاليين «فرناندو، وإيزابيلا» من نياتهما الطموحة في تمويل سفن «كريستوفر كولومبوس» البرتغالي لمعرفة الطريق الموصل للعالم الجديد أميركا، حيث كل الفرص متاحة لنشر الديانة إن كانا مخلصين للكنيسة الكاثوليكية، ولجمع الأموال وخاصة الذهب، إن كانا طامعين في المزيد من المال، ولاستعمار الأراضي الشاسعة في القارة الأميركية إن فكرا في التوسع الجغرافي، أو التجارة بأنواعها حتى التجارة في البشر إن كانا يعدان الجشع ميزة لامتلاك القوة عن طريق المعرفة، والمعرفة الحصرية والسبّاقة والرائدة في مشروعهما.
اليوم.. صناعة المعرفة مطلوبة في كل المجالات في الجانب الاقتصادي، وفي الجانب السياسي، وفي الجانب الاجتماعي، لكن حضورها الحقيقي يكون في الجانب الثقافي والفني لأنها تشكل الإبداع في أعلى تجلياته، لأن هناك توظيفاً للمعرفة فيما نقدم للمتلقي، هذا التوظيف يمكن أن يكون مباشراً مثل البحث العلمي أو الأطروحات الأكاديمية أو البرامج التلفزيونية، لأنها تشتغل على المعرفة، وتقدمها بصورة مكثفة، ومباشرة، فهي ناقلة، ولكنها ليست صانعة، وحدها الأعمال الإبداعية تصبح صناعة المعرفة فيها مبنية على جمالية مختلفة، تماماً مثل حبة «الشوكولا» لو قدمتها للمستهلك، وهي عارية من ورق «السلوفان» المذهب والمؤطر، قد يتقبلها المتلقي ويأكلها، ولكن إن قدمتها في علبة أنيقة، ومغلفة بطريقة مميزة، هنا.. تكسب لذة «الشوكولا» مع جمالية التمتع في تلك النزهة، من فتح العلبة، وتأمل تنسيقها، ونزع الغلالة الورقية، محدثة ذاك الصوت المحبب للأذن، فتقبل على حبة «الشوكولا» بشهية مختلفة.
الحصيلة المعرفية الشمولية أو المتخصصة تعد من خزائن المبدع، عليها ارتكز، وأسس انطلاقته في عالم الأدب والفن، فهو قد يحتاج لهذه الخزينة الفكرية والعميقة حين يطرح أسئلته الفلسفية من خلال رواية تسير في هذا النهج، لكنه قد يستعمل خزينة واحدة من خزائن المعرفة حين يريد أن يتناول عملاً روائياً يتحدث عن أزمة الإنسان النفسية، وقد يحتاج المؤلف الموسيقي كل معارفه المختلفة في الطبيعة والرياضيات والروحانيات، وقراءة الأديان، ليظهر لك معزوفة «اللحن الجنائزي» مثلاً.
يظهر دور المعرفة جليّاً حين يهم مخرج سينمائي أو كاتب بعمل فني يتناول شخصية أو حقبة تاريخية معينة، هنا تحتم عليهما قراءة المكان والزمان، والأحداث، وسيرة الأمراض الفتّاكة، والأحوال المعيشية للناس، نوع الملابس، طبيعة الأكل والشراب، المدارس الفكرية والصراعات الطبقية والحروب..إلخ.
لذا لا عمل إبداعياً جميلاً ومذهلاً ومدهشاً ومغايراً ومتميزاً، دونما وجود صناعة معرفة، وجمالية محتوى، وبرأيي الشخصي لا جمال حقيقياً يظهر إن قدمت للمتلقي أقوال سقراط وأفلاطون كما هي في كتب التراث الثقافي، ما يجعلها جميلة أكثر أن تقدمها من خلال الحصيلة المعرفية، وتضاد المعارف وجدل الأسئلة التي بنيتها لنفسك ككاتب أو مخرج سينمائي باثّاً فيها روحاً جديدة، وعطراً من زمنك، لأناس من مكانك، وحولك، وبعيداً عنك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة معرفة أم جدل معرفي صناعة معرفة أم جدل معرفي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 06:02 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
 صوت الإمارات - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 14:45 2017 الأحد ,16 إبريل / نيسان

"الشيكولاتة المكيسكية" أبرز وصفات لويز باركر

GMT 09:19 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

اليابان تبتكر "موبايل" قابل للغسل

GMT 16:02 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف السركال" القطريون دبروا ما حدث في بانكوك"

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

نهيان بن مبارك يفتتح معرض "السوربون أبو ظبي"

GMT 17:09 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

تسريبات تكشّف تفاصيل عن مواصفات "سامسونغ غالاكسي S10"

GMT 14:25 2015 الأحد ,25 كانون الثاني / يناير

الشارقة الدولي للكتاب يشارك في معرض القاهرة

GMT 21:15 2015 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

توم فورد يقدم عطرًا مستوحى من ازدواجية إمرأة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates