بقلم : ناصر الظاهري
هي بركات من جاء مطهراً قلبه بالإيمان، فاتحاً صدره للتسامح والمحبة، غاسلاً جوارحه بالماء والثلج والبَرَد، هي بركات الأخوة الإنسانية حين تتجلى في أجمل معانيها، وأرقى قيمها، هي بركات السماء حين تفرح بالإنسان وللإنسان، فتمطر ليخضّر زرعه، ويكثر خيره، ويزهر عشب بلاده.. هي بركات الدعاء الصادق حين تشارك الآخر محبة النفس، وتمني الخير للغير، هي الصلوات في هدأة الروح، وبلوغ الرضا، زارتنا البركات نقولها للقادمين من أجل تعانق الهلال والصليب، من أجل حوار حضاري يُمكّن الإنسان من العيش الكريم، ونيل الحرية التامة، وأن يرفل بالأمن والأمان على النفس وفي المال والولد والبلد، زارتنا البركات قداسة البابا «فرنسيس الأول»، وسماحة شيخ الأزهر «أحمد الطيب»، فمثل لقائكم الخيّر والطيّب كشجرة زيتون مباركة، تنحاز لها السماء، وتهطل على الناس ببشائرها ابتهاجاً بحقن دماء الإنسان المقدسة التي من سفك دم نفس واحدة، فكأنما قتل الناس جميعاً، تلكم الشرعة وذلكم هو المنهاج لمن أراد أن يلقى ربه بقلب عظيم، ووجه كريم.
ولنا في رسول المحبة والإنسانية، صلوات الله وسلامه عليه، عد السموات وما أظلت، والأراضين وما أقلت، أنه كان يجاور يهودياً، كان كثير الأذى، ولا يحفظ معنى الجوار، ويلقي قمامته عند عتبة بيت النبي الكريم الذي يقوم بإماطة الأذى عن الطريق، ويدعو لجاره بالهداية، وفي يوم لم ير الرسول الكريم قمامة اليهودي، وتكرر الأمر لأيام حتى استفقد الرسول الكريم جاره اليهودي، فقال: لأشق عليه، فربما كان مريضاً، وحق المريض أن يعاد، وحق الجار السؤال، فلما قرع بابه، خرج له اليهودي، فبادره الرسول العظيم: ما بالك؟ استفقدتك لأيام معدودات، وخشيت أن تكون مريضاً أو بك عِلّة، فجئتك سائلاً لأطمئن عليك، وأرى إنْ كانت تنقصك حاجة، فقال اليهودي: كيف تستفقدني، وأنا لا أرد عليك حتى السلام؟ فقال رسول السماحة والفضل: لم أر شيئاً مما ترميه من مخلفاتك عند باب بيتي، فساورني شك بأنك مريض أو ربما أصابتك نائبة من نوائب الدهر، فجئتك عائداً، ومعيناً، فبكى اليهودي من أخلاق الرسول الكريم، وسماحة روحه، وبشاشة وجهه، فقال: أشهد أنك نبي هذه الأمة.
وقد توفي الرسول الكريم، وكان شريكه في التجارة يهودياً، وفي عهد عمر الفاروق مر بعجوز يهودي، كان يراه في أسواق المدينة، ناشطاً وتاجراً، ويراه اليوم وقد بلغ من العمر عتيّاً، فسأله عن حاله وأحواله، فقال العجوز اليهودي: تفرق الأبناء، وكسدت التجارة، وانهد الحيل، وبلغني الكبر والشيب، وأسمو بنفسي عن الطلب والعيب، فأمر له عمر رضي الله عنه بـ «راتب تقاعدي»، وكان أول من سنّ تلك الحسنة، وقال للعجوز اليهودي، بيت مال المسلمين كفيلك، وأنا ضامنك، فقد أخذنا منك الجزية شاباً، ونرعاك شيخاً، تلك.. هي المحبة، وذاك هو الإخاء، والتسامح، وعظمة الإيمان، لا إرخاء اللحية، ولا حف الشارب!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد