بقلم - ناصر الظاهري
ما كبّ الناس على وجوههم إلا ألسنتهم، ولسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك، وما دمنا في هذا الصيف مصيفين في حر وقر، وليس هناك من مفر، فلا نملك غير الضحك والتندر، لأن الناس ما عادت تطيق نفسها، فكيف بالآخرين، لذا كثر السب والشتم، وبالغت المحاكم في الغرامات، لضبط العنف اللفظي في الشارع أو حتى في البيوت، فقد وصلت الأمور بين الأزواج أن رفعوا برقع الحياء، ووقاية الستر، وأصبحوا من فجر الله لازّين المحاكم، ينشرون غسيلهم، ويتاجرون بستر بيوتهم، ولأن سهيلة حرمة حشيم، وتكثر مسباتها التي من وراء الخاطر، لكنها ما ترتاح حتى تطلق تلك الشتيمة العابرة جدران البيت، فقلت لها: جوزي عن «هضلت يا الهايت أو فقدتك أو سفيت يا الخايس»، ترا في غرامات حتى لو بين الأزواج، فردت ضاحكة منتقلة من السباب المحلية إلى سباب الجاهلية: «ويحك تبّاً لك.. عليك اللعنة»! فقلت لها ترا هناك قضاة محليون لشتائمك القديمة، وشغل العرب الأولين له قضاة من أهل شنقيط، ومن يتحدثون الحسانية، وهم تخصص عميق في مفردات الضاد وأضدادها، وألفية ابن مالك الواحد منهم يشربها زلالاً صِرفاً.
أضحكتني سهيلة كيف نقشت تلك المسبة التي كنا نقرؤها ولا نفهمها ونمر عليها مرور الكرام، طيب هذا لو الواحد قال لك: «ثكلتك أمك» كم بيغرمونه؟!
طيب إذا واحدة توها طالعة من عيادة التجميل ونافخة وشافطة ومضبطة كل المسائل، وصادفها واحد وقال لها: «شوفوا هالسبالة، وهو يقصد الغزالة» هل يعد اعتداء على جمعيات الرفق بالحيوان أو نقصاً في مخاطبة المرأة التي حاولت التجمل، وأصبحت عرضة للتأمل؟! طبعاً اعتقد لو أن شعراء النقائض جرير والفرزدق والأخطل تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق، فسيوضعون جمعيهم في زنزانة مفردة حتى يظهر لكل واحد كفيل مواطن مش كفيل أموي.
وبصراحة ما راحت إلا على شعراء الهجاء وشعرهم الذي يودي في داهية، وليس من ورائه إلا الخسائر، ولو طبق أمر الغرامات على أهل الجاهلية الأولى، فإن أول المحبوسين أو الغارمين يمكن أن يكون «ابن حِلّزة»، خاصة أن القاضي لن يسمح له بالإفراج حتى أداء الغرامة، وهو ينتظر قوافل الشام أن تصل سالمة إلى مكة.
الحين لا تروم تتفدى ولا تروم تجيب حتى مضرب دهن عود، ولا تروم حتى تغني: ساكن قلبي غلاهم، لأن كل شيء محاسب عليه، وأعتقد أن صاحبنا الحطيئة لو عاش زمننا، حرام ما يظهر من الحبس دِبّ حياته، عيل هذا كلام يقوله هذاك الشاعر الذي شكله بائع الدنيا، واصفاً خشم ابن حرب:
لك أنف يابن حرب أنفت منه الأنوف
أنت في القدس تصلي وهو في البيت يطوف!