تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة وحقيبة سفر -2-

تذكرة وحقيبة سفر -2-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم - ناصر الظاهري

في تلك المدينة الجميلة والبعيدة «كسب» كان نهارنا يمضي في المعسكر الصيفي لـ«طلائع البعث»، وأنشطتهم الطلابية، دون أن يكون لنا معرفة بتربية الأيديولوجيا، ولا حتى لمعظمهم، كنا في سن متقاربة، وبيننا فضول يتكون لمعرفة ذلك الآخر، لم يعجب الكثير تعليق ذلك المتسرع حين وصف حَمَارهم أنه من أكل «الطماط»، حتى انبرى آخر يبدو أنه أفهم منه، مردفاً: «هاذيلا الأولاد والبنات شكلهم عيال هنجريه، وإلا هالنظافة والبياض من وين؟ والله من هالفلوس، ومن الربى الزين، مب نحن ويا أكل هالبندرة، لين صارت الوجوه مثل العوالة»! وحين جسر صبي منهم في بداية التعارف، وحاول أن يقترب منا أكثر، والفضول مستبد به تجاه زميل أسمر البشرة بدرجة ملحوظة، و«غزّه يلق في الشمس تقول حلواه عمانية»، خاتله حتى شخط بيده على وجهه، وتلمس يده، ثم ناظر ليديه إن كان التصق بهما شيء من لونه الذي يشبه سنون الطوبي، ساعتها ظهرت تعليقاتنا على زميلنا: «يتحسبك مشحمة طوبَيّ، وإلا خايس من السنين»، ضحكنا نهارها، وزادنا ذلك الشخص الفاهم، صاحب نظرية «الحَمَار والبياض من الطماط»، والذي كثيراً ما حاول أن يكون عريف الصف، فلم يفلح، لأن ما به من زيادة معرفة، ولكن لأنه دخل الصف الأول كبيراً، وبدأ شاربه في الاخضرار قبلنا، وصار أطول منا بسرعة، قال: «شفتوهم كيف لصقوا في برّوك، يفرّكونه، الحين ما لقوا غير برّوك يتبركون به»؟ فرد برّوك بغضب، مستوحياً بطلاً من السينما الهندية التي يعشقها: «لا تتحسب عمرك جتندر، وإلا دارمندر، تراني دارا سنغ»! كنّا صغاراً يومها، وكانوا هم من طلبة «طلائع البعث»، جمعتنا تلك المدينة مصادفة ببراءتنا، ودهشتنا، وفضول العمر الصغير نحو فضاءات جميلة في الحياة، ولا ننسى ذلك الغداء الجماعي تحت تلك الأشجار الباسقة والظلال الباردة والمياه الجارية، كأنه وعد من الجنان، فخرج «بروك» رأسه، لأنه كسب شعبية في «كسب»، وقال أي كلام، وربما استوحاه من تلك الأفلام التي منها الفيلمان بتذكرة واحدة: «ها.. النعيم كله هنا.. عيل كيف لندن»؟
في تلك الرحلة اكتشفت أنني أعشق شجرة الزيتون بطريقة لا أدري كيف تولدت، ومن أين أتت؟ وسيكبر هذا الحب مع الأعوام والأسفار، وسيصبح حلماً بظله، أنسه، وتلك الطمأنينة التي يمنحها الأرض بأن الحياة أمد، والأيام صبر، والآتي أجمل، في تلك الرحلة تسللت إلى مكتبات دمشق القديمة، واخترت أمهات الكتب التراثية، وإبداع العربية، ما كنت لأتحصل عليها في أي مدينة أخرى، وبتلك الأسعار الرخيصة، وأيقنت أن مكتبتي ستكبر من تلك الرحلة، في تلك الرحلة عرفت أن هناك بلداناً بعينها حين تدخلها ستعرف أنك عربي، وعربي فقط، وسوريا إحداها، في تلك الرحلة أقسمت ألا أودع دمشق، كما ودعها ذلك القائد الهارب من الهزيمة: «وداعاً دمشق لا لقاء بعده»، ولكن دمشق.. لا وداعاً، بل وعداً بالمجيء، لا عدّاً ولا عدداً بالحضور، حتى لا تقول النفس: لا ما ارتويت!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:59 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"حقيبة الأبط" تتربع على عرش موضة خريف وشتاء 2018

GMT 01:19 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

محمد رشاد ومي حلمي يتفقان على إتمام حفل الزفاف

GMT 20:07 2015 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

شركة "سامسونغ" تطلق غالاكسي في بلس" في ماليزيا

GMT 15:47 2014 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

شركة Xolo تطلق هاتفها الذكي متوسط المواصفات Opus 3

GMT 18:19 2013 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

ترجمة لکتاب صید الخروف البري لهاروکي موراکامي

GMT 10:07 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

استبعاد ياسمين صبري من مسلسل ظافر العابدين

GMT 12:50 2013 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

إعادة طبع رواية "التراس" في حلة جديدة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates